لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت / ٤٩) الآية ، ظاهرها يقتضي نفي الكتابة والقراءة بما قبل النبوة دون ما بعدها ، ولأنّ التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة ، لأنهم إنما يرتابون في نبوته لو كان يحسنها قبل النبوة ، فأما بعدها فلا تعلّق له بالريبة ، فيجوز أن يكون تعلّمهما من جبرائيل بعد النبوة قال الشعبي وجماعة من أهل العلم : ما مات رسول الله حتى كتب وقرأ ، وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ايتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا» (١).
وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «رحمهالله تعالى» :
«إنّ النبي كان أميّا بمعنى أنه ما كان يقرأ ويكتب لا أنه لا يعرف القراءة والكتابة وكونه أميّا بهذا المعنى ، أي عدم تعاطيه للقراءة والكتابة عليه إجماع المسلمين ومنصوص عليه في القرآن الكريم ، بقوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) ولكن لم يثبت من الإجماع ولا من الكتاب أنه لم يكن يعرف الكتابة والقراءة بحيث يكون فاقدا لهذا الكمال ، ومن هنا تبيّن معنى كونه أنه ليس بأمي أي أنه يعرفها فهو مصيب ، لكن ليس معنى هذا أنه كان يكتب ويقرأ لأنّ ذلك مخالف لنص الآية المتقدمة.
والخلاصة : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان حائزا لكمال الكتابة والقراءة من حيث الملكة والقدرة لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يلزم أن يكون متصفا بجميع صفات الكمال ، بل يلزم أن يكون أكمل أهل زمانه ، ولا ريب أنّ الكتابة والقراءة كمال ، وفقدهما نقص ، ولكن مصلحة التبليغ ورعاية الإعجاز في محيطه وزمانه اقتضت حسب الحكمة أن لا يتعاطاهما تكميلا للمعجزة» (٢).
وهذا هو الحق الحقيق ، وبه يمكن الجمع بين الآيات والأخبار التي ظاهرها نسبة الأمية إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأما النقطة الثانية : وهي صيانة القرآن عن التحريف :
من معتقدات الإمامية عدم القول بتحريف القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو ما نزل على النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن قال منهم بالنقيصة فله رأيه ودليله ولكنه لا يعبّر عن الإجماع الإمامي القائل بعدم النقيصة ، ولا يحق لنا أن ننسب لمن قال
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٦ ص ١٣٥.
(٢) جنة المأوى : ص ٢٥ ـ ٢٦.