النقطة الرابعة : هل يصح التقليد في أصول الدين؟
وقبل الإجابة على السؤال ، لا بدّ من البحث في معنى التقليد لغة واصطلاحا ، فنقول :
أما لغة : فالتقليد مصدر ومنه الفعل «قلّد» أي فعل مثل فعله ، وقلّده السيف : جعل حمالته في عنقه ، وقلّده العمل : فوّضه إليه ، وقلّده الدين : سلّمه إياه. وقلّده القلادة: أي جعل في عنقه شيئا خاصا يكون للإنسان أو الفرس أو البدنة التي تهدى حيث يجعل في عنقها شعار يعلم به أنها هدي وفي الحديث : يقلّدها بنعل قد صلّى فيه. قال شاعر العرب الفرزدق :
حلفت بربّ مكة والمصلّى |
|
وأعناق الهديّ مقلّدات |
وقلّده الأمر : ألزمه إياه.
وفي حديث الخلافة : «فقلّدها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا» ألزمه بها أي جعلها في رقبته وولاه أمرها (١). والجمع : تقاليد وهي مجموعة عادات وعقائد تنتقل إلى الأبناء عن الآباء والأجداد.
أمّا اصطلاحا : فالتقليد عبارة عن قبول قول الغير من دون دليل عند المقلّد لا المقلّد (بالفتح) وسمّي تقليدا لأنّ المقلّد يجعل ما يعتقده من قول الغير كحق أو باطل قلادة في عنق من قلّده.
فإذا قلّد فلان آخر يعني أنه جعل أعماله على رقبته وعاتقه ، هذا فيما لو كان المقلّد (بالفتح) من أهل المعرفة والنظر ، لأنّ التقليد يعني رجوع الجاهل إلى العالم ، وإلقاء تبعة الفحص عن الدليل من مصدره المقرّر.
إذا عرفت المعنى فنجيب الآن على السؤال المتقدم فنقول : إن التقليد في مطلق الأصول الخمسة غير صحيح بل غير جائز ، فلا يصح أن يقلّد المرء من يعتقد بوجوده سبحانه ، إذا كان هذا المقلّد شاكّا بوجوده عزوجل بل عليه أن يفحص بمقتضى ما وهبه عزّ ذكره من عقل يمكن بواسطته النظر في النفس والآفاق ليتبيّن له صحة وجوده والاعتقاد به تبارك وتعالى.
وكذا صفة عدله سبحانه ، فإنه لا يصح فيها التقليد بل لا بدّ من النظر أو الاعتقاد القلبي في أنه سبحانه عادل لا يظلم أحدا بل هو جلّ جلاله عين
__________________
(١) مجمع البحرين : مادة قلّد.