الإنصاف والحكمة ؛ وما أفاده المصنف (قدّس سره) : «من وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد كما أنه لا يجوز تقليد الغير فيها» ، غير سديد ، لأنه إن أراد من الوجوب تحصيل الدليل على كل فرد فرد فيترتب عليه :
أولا : أنه متعسّر على العوام ، لأنّ الحكم بكون تلك المعارف نظرية عند كل المكلفين ممنوع لجواز أن يحصل بعضهم على تلك المعارف أو بعضها بالبداهة لا بالدليل.
ثانيا : إن النبي والعترة الطاهرة عليهمالسلام كانوا يكتفون من العوام إقرارهم باللسان مع الاعتقاد والاعتراف بنبوة النبي وغير ذلك من دون طلب استفسار بالنظر والاستدلال ، ولو كانت المعارف واجبة بالدليل النظري لما اكتفى النبي وآله بذلك من العوام.
نعم ربما إيمان العوام في فترات المعصومين عليهمالسلام كان فطريا وجدانيا فيترتب على ذلك حصول اليقين والاعتقاد من قولهم عليهمالسلام في غير التوحيد ، «إذ المطلوب في الاعتقاديات هو العلم واليقين بلا فرق بين أسبابهما وطرقهما ، بل حصول اليقين من قول الغير يرجع في الحقيقة إلى اليقين بالبرهان لأنه يتشكّل عند المكلّف حينئذ صغرى وكبرى فيقول :
هذا ما أخبر به أو اعتقده جماعة ، وما اعتقده جماعة ، وما أخبر به جماعة فهو حق ونتيجتهما أن ذلك الأمر حقّ فيحصل فيه اليقين بأخبارهم» (١).
قال الشيخ الأنصاري (قدسسره) ما معناه :
«إن مقصود المجمعين هو وجوب معرفته تعالى لا اعتبار أن تكون المعرفة حاصلة عن النظر والاستدلال كما هو المصرّح به عن بعض ، والمحكي عن آخرين باعتبار العلم ولو حصل من التقليد» (٢).
كما أنّ أصول الدين وهي التي لا يطلب فيها أولا وبالذات إلّا الاعتقاد باطنا والتدين ظاهرا ، فيكفي فيها تحصيل الاعتقاد من أي طريق كان.
ثالثا : قيام السيرة على الحكم بإيمان من مات ولم يحصّل المعرفة بالنظر
__________________
(١) التنقيح للخوئي تقرير الميرزا الغروي : ج ١ ص ٤١١.
(٢) فرائد الأصول : ج ١ ص ٢٧٣ وبداية المعارف : ج ١ ص ١٣.