من التقوى والعلم ، وفرّغ نفسه لطلبه ، وهذا غير مقدور لكل الناس تماما كوجوب الاجتهاد تعيينا على كل الأفراد ، عدا عن أنه يتعذر في بعض الأحيان كما لو تردد عدد التسبيحة الواجبة في الصلاة بين الواحدة والثلاث ، فالاحتياط يقتضي الإتيان بالثلاث ، لكنّه إذا ضاق الوقت واستلزم هذا الاحتياط أن يقع مقدار من الصلاة خارج الوقت ، وهو خلاف الاحتياط ، ففي مثل ذلك يتعسّر عليه الاحتياط بل لزم عليه الرجوع إلى التقليد أو الاجتهاد.
فإذا لم يتيسّر الاجتهاد أو الاحتياط لأغلب الناس فيتعيّن عليهم التقليد وهو اتّباع الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، ليس هنا موضع شرحها ، وما يهمنا هو أن نذكر الأدلة على جواز التقليد في الفروع إخراجا له عن التقليد المذموم.
وهي وجوه :
الوجه الأول :
سيرة المتشرعة قديما وحديثا القائمة على الرجوع إلى المفتي والفقيه والسؤال عن أمور دينهم من دون نكير أحد ، وهذه السيرة تكشف عن أنهم تلقّوا حكمها من الشارع المقدّس.
بل لا ينبغي الإشكال فيه لأنه وكما تقدم أن الاجتهاد العيني في المسائل يقتضي إخلال النظام مما يسبّب حرجا هو منفي عقلا وشرعا.
أضف إلى أنه لم تردنا أخبار من العترة عليهمالسلام تنهى عن هذا العمل بل العكس هو الصحيح ، حيث إنّ هناك أخبارا تلزم رجوع الجاهل إلى العالم كما سوف يأتيك.
ومما يؤكد هذه السيرة المتشرّعة أقوال أساطين الإمامية (قدست أسرارهم) منهم شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي قال : «والذي نذهب إليه أنه يجوز للعامي الذي لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالم ويدلّ على ذلك ، أني وجدت عامة الطائفة من عهد أمير المؤمنين عليهالسلام إلى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها ويستفتونهم في الأحكام والعبادات ، ويفتي العلماء فيها ويسوّغون لهم العمل بما يفتونهم به ، وما سمعنا أحدا منهم قال لمستفت : لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به ، بل ينبغي أن تنظر كما نظرت وتعلم كما علمت ، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم ، وقد كان منهم الخلق العظيم ، عاصروا الأئمة عليهمالسلام ولم يحك عن