واحد من الأئمة عليهمالسلام النكير على أحد من هؤلاء ولا إيجاب القول بخلافه ، بل كانوا يصوّبونهم في ذلك ، فمن خالف في ذلك كان مخالفا لما هو المعلوم خلافه» (١).
واستدلّ المحقق الحلي (قدسسره) على ذلك بوجهين :
الأول : «لنا اتفاق علماء الأعصار على الإذن للعوام في العمل بفتوى العلماء من غير تناكر ، وقد ثبت أن إجماع أهل كل عصر حجة».
الثاني : «أنه لو وجب على العامي النظر في أدلة الفقه ، لكان ذلك إما قبل وقوع الحادثة أو عندها ، والقسمان باطلان ، أما قبلها : فمنفي بالإجماع ، ولأنه يؤدي إلى استيعاب وقته بالنظر في ذلك فيؤدي إلى الضرر بأمر المعاش المضطر إليه.
وإما عند نزول الواقعة : فذلك متعذر لاستحالة اتصاف كل عامي عند نزول الحادثة بصفة المجتهدين» (٢).
إلى آخر ما هنالك من أقوال تشهد بجواز رجوع العامي إلى المفتي في أمور دينه مما لا يبقى مجال للشك في صحة قيام هذه السيرة على الاستفتاء ، إضافة إلى وجود سيرة عقلائية في كل عصر ومصر ومن كل دين توجب رجوع الجاهل إلى العالم في جميع الأمور كرجوع المريض إلى الطبيب وصاحب الدار إلى المهندس في تصميم تشييدها ؛ وحيث إنّ الشريعة المقدّسة لم تردع عن هذه السيرة مما يدلّ على إمضائه لها والعمل بمقتضاها وهذا يكشف عن كونها حجة على صحة التقليد والاجتهاد.
الوجه الثاني :
الآيات الدالة على رجوع الجاهل بأمور دينه إلى العالم بها ، منها :
١ ـ قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل / ٤٤).
ودلالة الآية على الوجوب واضحة ، حيث أمرت الجاهل بالرجوع إلى أهل الذكر ، وقد ورد عبر نصوص كثيرة أن أهل الذكر هم العترة الطاهرة ، ولكنه لا
__________________
(١) عدة الأصول : ص ٢٩٣.
(٢) معارج الأصول : ص ١٩٧ فصل : المفتي والمستفتي.