ويطالب اليوم ثلة من مفكري العامة بفتح باب الاجتهاد المؤصّد بعد عصر المذاهب الأربعة.
وفتحهم لباب الاجتهاد إن لم يكن مقرونا بالانفتاح على فقه الإمامية ومرويات العترة الطاهرة يكون أشبه شيء بخرط القتاد ، وكناقش الشوكة بالشوكة (١) وإقفاله أفضل من فتحه.
وعليه فما ارتأته الشيعة الإمامية مما لا مناص عنه لضرورته في عصر فقدان النص المباشر القطعي من النبي والوصي ، ففي عصر النص لم تكن هناك حاجة للاجتهاد ولا التقليد لغير المعصوم عليهالسلام ، إذ كان التعامل يوم ذاك يقوم طبقا لطريقة الاتباع وذلك لتوفر قرائن العلم والوضوح بما لم يدع ذريعة للعمل بالرأي ، وبعد عصر النص وبالتحديد بعد الغيبة الكبرى لمولانا الإمام المهدي (عج) أخذت قرائن العلم والوضوح تضعف شيئا فشيئا كلما طال الزمن ، لا سيما الظروف الضاغطة التي أحدقت بالشيعة آنذاك مما سبّب فقدان الكثير من النصوص القطعية التي لو بقيت لأثرت المسلمين بحيويتها ، لذا كان لا بدّ من الاجتهاد للتوصل إلى معرفة الأحكام ولو على سبيل الظن لأنّ العلوم الشرعية كبقية العلوم يجب تحصيلها كفاية لاحتياج الناس إليها لمعرفة أمور دينهم ودنياهم.
فما ذهب إليه العامة من تجميدهم لحركة الاجتهاد مما لا تقره السيرة العقلائية وخلاف قيام الأدلّة الآمرة بمعرفة أمور الدين مما لا نص قطعيا عليه سيّما الموضوعات المستجدة التي تطرأ على الفرد المسلم مما يستدعي (لو قلنا بعدم جواز عملية الاجتهاد) بقاء الفرد حائرا مترددا يتخبط في غياهب الجهل نتيجة فقدان من يشخّص له وظيفته العملية والسلوكية تجاه ما يعترضهم من مشكلات تعيق سيره نحو الفضيلة والتكامل.
النقطة الثالثة : أقسام الاجتهاد :
ينقسم بحسب مورده إلى أقسام منها جائز وأخرى غير جائزة هي :
__________________
(١) مثال ضربه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام لكل أمر يريد المرء الخروج منه بشيء أضعف منه أو مساويه ، كمن يريد استخراج الشوكة الناشبة في القدم بشوكة مثلها ، فإن إحداهما في القوة والضعف كالأخرى فكما أن الأولى لما وطئتها فدخلت في لحمك ، فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها فتنكسر وتلج في لحمك.