ليس مقصورا على الرحلات البحرية أو الجوية ، بل إنه يتعدى إلى كل سبب ظاهري يدعو الإنسان للتوجه إليه تعالى كلّما انقطعت به تلك الأسباب والأنساب.
ومما يدلّ على ترسّخ النزوع الفطري للكمال المطلق إضافة إلى آية الميثاق وآية الفطرة المتقدّمتين ما ورد في قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يس / ٦١).
وقوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (الغاشية / ٢٢).
هذا العهد عهد الميثاق ، وهذه التذكرة التي أمر النبي بحملها للناس كافة دون اختصاص بجماعة معينين بل هي لكل الناس ، والتذكر فرع وجود معرفة مغروزة في أعماق البشر وإلّا فيكون الأمر به لغوا يتنزّه عنه الحكيم ، فالنبي مذكر بحدود رسالته وحدودها تشمل الإنسانية جمعاء قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (سبأ / ٢٩).
فيتضح من خلال تذكير النبي للناس أن لهم سابق معرفة بالأصول العامة للدين ، وما على الرسول إلا إحياؤها من جديد بعد الاندراس والنسيان نتيجة الاستغراق بمنع الحياة مما يسبّب البطر والطغيان والكبر لذا لا تجد غنيا إلّا ويصاب بإحداها إلّا المتقون. قال تعالى : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (الفرقان / ١٩).
وزبدة المخض : أن الانقطاع عن الأسباب الظاهرية هو أحد الطرق الموصلة إلى إحياء المعرفة الفطرية.
وهناك طريقان آخران متفرعان على المتقدم يوصلان إلى إحياء تلك الفطرة هما :
الأول : معرفة الدين واتباعه.
الثاني : معرفة النفس الإنسانية.
أما الأول : فإنّ الدين هو مجموعة أحكام ، الفائدة منها تنظيم حياة الفرد والجماعات والأخذ بأيديهم إلى سبل الصلاح والخير والفضيلة ، وذلك لوجود قوى ثلاث يتركب منها المخلوق الآدمي هي :
القوة الشهوية. القوة الغضبية. القوة العقلية.