وهي قوى تتصارع فيما بينها ، أيها استحكمت بالأخرى أصبحت السيد المطاع والبقية خدم لها ، لذا لو استحكمت القوة العقلية الروحية على تينك القوتين يصبح صاحبها في مصافّ الروحانيين والملائكة العلويين وإلّا فهو في حضيض التسافل كالبهائم والأنعام.
ومعلوم بالوجدان أن القوة العقلية لا تروي ظمأ الإنسان المتعطش بفطرته إلى خالق الكون فلا بدّ له من معين يهديه السبيل ويوصله إلى الطريق ، فأرسل عزوجل رسله وسفراءه ليرشدهم إلى الجادة الوسطى فيسلكوا بهم سبل السداد والنجاح والتوفيق من هنا قال أمير الموحّدين علي بن أبي طالب عليهالسلام :
«فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول» (١).
فالغاية إذن من إرسال الرسل وإنزال الكتب وبعث السفراء هي أن يوصلوهم أو يستخرجوا لهم ميثاق الفطرة بعد أن حجبتها أستار الذنوب ، فيثيروا فيهم دفائن العقول أي ما هو مخزون في كوامن نفوسهم من الخير والصلاح ، لأنّ الإنسان يميل بطبعه إلى الدين ، والدين يدعو للفطرة ، لذا أمر سبحانه التمسك بالدين : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة / ٦٤) ، لأنّ التمسك به يعني التمسك بشيء أصيل يلازم الإنسان منذ خلقته إلى يوم رمسه.
وأما الثاني : ونبحث فيه ضمن نقاط هامة :
النقطة الأولى : في معنى النفس الإنسانية :
«النفس» لغة : بمعنى الروح ، فإذا قيل : خرجت نفس فلان ، يعني روحه. وتأتي بمعنى «حقيقة الشيء» تقول : قتل فلان نفسه أي أوقع الإهلاك بذاته كلّها وحقيقته.
ولها معان أخر : «كالدم» ، يقال : سالت نفسه أي دمه.
و «كالجسد» وعليه قول الشاعر :
نبّئت أن بني سحيم أدخلوا |
|
أبياتهم تامور نفس المنذر(٢) |
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة الأولى في صفة خلق آدم عليهالسلام.
(٢) مجمع البحرين : ج ٤ ص ١١٠.