غيره ، وترشح منه بواسطتها مختلف النشاطات المادية والعقلية ، وهي في بنائها العجيب تختلف عن بناء المادة ، ولها أصول تحكمها تختلف عن الأصول التي تحكم المادة في خواصها الفيزيائية والكيميائية ، فمن الروح يصدر العجائب ، لذا اهتمت الأمم بشأنها والاشتغال بمعرفة أطوارها للحصول على عجائب آثارها ، ويكفيك ما يرد عن أصحاب الرياضات النفسية لا سيما «اليوغيون» منهم كيف أنهم يسلكون طرقا شتّى في الوغول الشديد في تعذيب أنفسهم وحرمانها من الحظوظ الشهوانية والحيوانية لنيل ما يمكن أن يتجلّى لهم منها نتيجة رياضات معنوية معينة لا ينكرها إلّا مكابر.
ونظرا لأهميتها في الشرائع المقدّسة أرسلت من أجلها الرسل وأنزلت الكتب لأنها مورد الخطاب والتكليف وهي الأصل في ذلك لا الجسد الفاني ، لذا لم يناقش في أصالتها أحد من المليين ، في حين أنكر الماديون هذه الأصالة طبقا لإنكارهم الخالق العظيم مدّعين بأنها مادية ومن خواص لخلايا العصبية ، لذا قالوا : إن الأصالة للمادة لا غير ، وقد أقاموا على عدم أصالتها براهين هي في الواقع دعاوى واهية لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
الدعاوى على أصالة المادية هي :
الدعوى الأولى :
إن الأبحاث العلمية رغم تطورها التقني والفني لم تبحث في خاصة ما من الخواص البدنية إلّا ووجدت علتها المادية ، ومع هذا لم تستهد إلى أثر روحي لا يقبل الانطباق على قوانين المادة حتى بها على وجود روح مجرّدة.
والجواب :
الأول : إن عدم وجدانهم لأي أثر روحي غير قابل للانطباق على قوانين المادة لا ينتج انتفاء النفس المجرّدة التي أقيم البرهان على وجودها ؛ فإن العلوم الطبيعية الباحثة عن أحكام الطبيعة وخواص المادة ، إنما تقدر على تحصيل موضوعها المادي ، وإثبات ما هو من سنخها ، وكذا الخواص والأدوات المادية التي تستعملها لتتميم التجارب المادية ، إنما لها أن تحكم فيما تبحث فيه من أمور مادية ، أما ما وراء المادة والطبيعة وخارج متناول الحسّ فليس لها أن تحكم فيها نفيا أو إثباتا ؛ فمثلا : الصفات الإنسانية كالحب والكراهة والشجاعة والجبن ،