ممكن حادث من وجوب وجود علة تبقيه كما أوجبت إحداثه ؛ وهذه العلة (بكلا قسميها) شيء آخر غيره مغاير له ليس من جنسه وهي الروح فثبت المطلوب.
هذا غاية ما استدلّ به الماديون على كون الأصالة للمادة وأنه لا شيء وراءها. أما المليون الإلهيون فقالوا بأصالة الروح وأنها مستقلة بعملها وليست نتاج الإفرازات المادية والتحاليل الفيزيائية المتراكمة في الجسد بل هي كيان سويّ له قيمته وهناك براهين عديدة على وجوده.
وهي قسمان : عقلية وأخرى نقلية.
البراهين العقلية على أصالة الروح وتجرّدها :
البرهان الأول : وحدة الروح مع ثبوت التغيّرات الجسدية :
خلاصته : أن جسد الإنسان الواقع في دوامة التغيّرات والتحوّلات الفسيولوجية وغيرها ، الدائم التنقل من حالة لأخرى ، حيث يتصف مرة بالطفولة وتارة بالصبا وأخرى بالشباب ثم بالشيخوخة ، وفي كل حالة تتغير وتتبدل تركيبته الجسدية ، مع بقاء شيء واحد فيه لم يطرأ عليه تغيّر في كل مراحله الزمنية ، وهذا الشيء هو المشار إليه ب «أنا» غير واقع في التبدّل والأمر فيه ظاهر ، لأننا نعلم بالضرورة أننا الآن عين ما كنا بالأمس أو قبل عشرين سنة ، فلو كانت الروح موجودا ماديا للزم أن تكون عرضة للتغيرات ، شأنها شأن بقية الموجودات المادية التي تتغير وتتبدل باستمرار ، لأن الحركة والتغيّر من خصائص المادة ولوازمها ، وبما أنّ الجسد في تبدل مستمر كما هو الثابت في الموجودات المادية وخاصة الحيّة منها حيث هي في تبدّل دائم مع بقاء الوحدة الشخصية في داخله ترافقه في كل مراحل حياته المعبّر عنها ب «أنا» الأمس والحاضر والمستقبل ، فلو لم يكن هناك حقيقة باقية في كل مراحل التبدّل والتغيّر الجسدي للزم أن لا يكون الإنسان في شيخوخته مسئولا عمّا فعله في شبابه.
البرهان الثاني : الإنسان المعلّق :
مفاد البرهان : أن الإنسان قد يغفل عن بدنه في ظل شروط (١) معيّنة ولكنه لا
__________________
(١) من هذه الشروط : أن يكون في وضع معيّن كالاستلقاء على القفا مسترخيا أعضاءه ، مفرّجا بين يديه ورجليه لا يشغله شاغل وأن يكون في هواء طلق بحيث يكون كأنه معلّق في الفضاء ، من هنا جاءت تسمية البرهان ب (المعلّق).