البراهين النقلية على أصالة الروح وتجرّدها :
وهي قسمان :
الأول : آيات الكتاب العزيز.
الثاني : أحاديث النبي الكريم وعترته الميامين صلّى الله عليهم أجمعين.
أما القسم الأول :
تمهيد : لقد أثبت القرآن المجيد بآياته البيّنات أصالة الروح وأنّ لها تجرّدا تاما بعد انخلاعها عن البدن ، ولا يهمّنا التعرّض لمسألة هل هي في داخل البدن أم محاطة به ، بعد التسليم بوجود الروح الإنسانية.
ولا تموت بعد موت الجسد ، بل تذهب إلى العالم الذي كانت تسعى إليه في الحياة الدنيا ، إلى الجنّة أو إلى النار البرزخيّتين فلا تعطيل للروح كما ادّعى أهل التناسخ على تفصيل في ذلك ، وبهذا يعلم : أن الموت لا يعني فناء للإنسان بل الموت بوّابة من عالم ضيّق إلى آخر فسيح خالد ، فهو انتقال من دار إلى أخرى هي الغاية من الخلقة ، وهذا ما لا يسلّم به أصحاب النظريات المادية ، وقد سبقهم إلى ذلك بعض عرب الجاهلية حيث كانوا يعتقدون أن حقيقة الحياة أمر مادي ، وما الموت عندهم سوى فناء الإنسان بكل مشخّصاته المادية والصورية ، لذا أنكروا وجود حياة ثانية قال تعالى حكاية عنهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام / ٣٠).
(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية / ٢٥).
فإنكارهم لوجود حياة أخرى من لوازم عدم اعتقادهم بوجود إله عظيم ومدبّر حكيم ، فالدهر هو المهلك لهم ، والدهر هو الزمن ، وهو بدوره ماديّ وليس وراءه أيّ سلطة روحيّة ، فالاصالة للزمن أو المادة لا لشيء فوق المادة والزمن لذا قالوا : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ).
أما قوله تعالى : (نَمُوتُ وَنَحْيا) فليست إشارة إلى اعتقادهم بوجود حياة أخرى ، وإنما يراد منها :
أنّ الكفّار يغادرون الحياة ليحلّ محلّهم حديثو عهد بالحياة من المولودين جديدا ، فجماعة تموت وأخرى تولد من جديد لتعيش كما عاش سابقوها ثم يهلكها الدهر كما أهلك المتقدمين عليها.