دائم التعلق بعلته التي هي مصدر وجوده ، وهذا النظام الكوني مرتبط بعلته الأولى وهي الله تعالى ذو القدرة والهيمنة المطلقة والتسلّط التام على مبدأ العلة والمعلول ، لأنّ هذا الكون فيه علل ومعاليل ، وكل معلول مرتبط بعلته ، والعلة الأخيرة فيه مرتبطة بالعلة الأولى وهي القدرة الإلهية المطلقة ، مما ينفى عن مبدأ العلة والمعلول صفة الأزلية ، الأمر الذي يجعل هذا المبدأ قابلا لكل مواصفات الوجود الممكن في كونه قابلا للاختراق وليس شيئا أزليا لا يمكن اختراقه ، ولا إشكال في أنّ القدرة الإلهية هي المهيمنة على ذلك ، وقد منحها الله سبحانه للإنسان في بعض أنماط حياته حينما نراه يخرج من إسار بعض مسارات العلل ليختار مسارات أخرى كما هو الملاحظ في حركة الإنسان الاختيارية حيث نراه يختار جانب الحركة على الجاذبية ، والسرور على الحزن ، والعافية على البلاء فالإنسان باختياره لجانب على جانب آخر ، أو حالة على حالة أخرى إنما فعل ذلك بما منح من ولاية وهيمنة على تصرفاته وبعض الأشياء المحيطة به ، فهو بذا يكون قد اخترق نظام العلة والمعلول بمعنى أنه يكون قد امتلك القدرة على تغليب بعض روابط العلل على بعضها الآخر لينتخب ما يناسبه من ظواهر كونية ، لأنّ الثابت فلسفيا أن نظام العلة والمعلول ـ حتى مع حدوث خرق له كما في المعجزة وما إلى ذلك ـ لا ينتفي من الوجود ، وإنما يمكن تسليط قوانين لها صفة الهيمنة والتسلّط أكثر من فعالية العلية التي تحكم ما بين علّة ومعلول معيّنين كما هو الحال في إمكانية التخلّص من الجاذبية الأرضية ، بتسليط قانون آخر عليها كالحركة مثلا. فمن يريد أن يحصل على مادة كيمياوية معينة ككلوريد الصوديوم (الملح) مثلا يمكنه أن يجمع ما بين مادتي الكلور والصوديوم في ظروف حرارية معيّنة فتنتج له ملحا ، غير أنّ هذا الإنسان حتى وإن وضع أمامه المادتين عينهما ، ولكنه رغب في الاستفادة من المادتين لأغراض الحصول على مادة أخرى غير الملح فيجمع الصوديوم مثلا مع الكربون والأوكسجين ليستخرج منها مادة كاربونات الصوديوم مثلا ، أو جمع ما بين الأوكسجين والهيدروجين مع مادة الكلور ليحصل في ظروف كهربائية معينة على مادة حامض الهيدروليك كما ويمكنه أن يتدخل في معادلات العلية حتى أثناء تفاعل العلة والمعلول ليستحصل معلولا آخر كما لو قام بجمع الكلور مع الصوديوم وأثناء تفاعلهما أدخل معهما عنصرا ثالثا كالكالسيوم ، عندئذ يمكننا أن نشاهد مادة أخرى هي نتاج المادتين