يكون زعيما سياسيا لإدارة المجتمع الإنساني ، لأنّ الإمام هو الإنسان الإلهي الكامل العالم بجميع ما يحتاج إليه الناس في تعيين مصالحهم ومضارهم ، وما فيه إسعادهم وإنعاشهم ، فلهذا التعريف حيثيتان :
الأولى : من حيث إنه مبلّغ الأحكام من الله بلا واسطة أحد.
والثانية : من حيث كونه قيّما على العباد.
وبعبارة : إنّ الإمام هو صاحب القوة الملكوتية في العوالم اللاهوتية والناسوتية المعبّر عنها بعالم الأمر ليكون قدوة للبشر في جانب الظاهر والباطن وليقود الأمة إلى كمال التكوين والتشريع ، فهو بوصوله إلى مقام الكشف واليقين صار له الهيمنة على عالم الأمر ، وصار باطن الأفعال مكشوفا له ، وصار بإمكانه ـ أي بسيطرته على الباطن ـ أن يهدي القلوب إلى المقاصد والغايات.
قال العلّامة الطباطبائي (قدسسره) :
«وبالجملة فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه ، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم ، وهدايتها إيصالها إيّاهم إلى المطلوب بأمر الله دون مجرّد إراءة الطريق الذي هو شأن النبي والرسول وكل مؤمن يهدى إلى الله سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقال تعالى في مؤمن آل فرعون : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) وقال تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
فالإمام هو الذي يسوق الناس إلى الله سبحانه يوم تبلى السرائر ، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها» (١).
فمفهوم الإمامة أرفع من مفهوم النبوّة ، وإلّا لما شرّف بها إبراهيم عليهالسلام إذ لا يشرّف المرء بالأدون ، ولا سيما النبي إبراهيم عليهالسلام الذي كان نبيّا قبل نيله الإمامة ، فليس كل الأنبياء أئمة بل بعضهم بحسب سيرهم وقربهم من المبدأ الفيّاض ، فبين النبوة والإمامة عموم من وجه ، فربما تجتمع النبوة والإمامة عند
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣.