من قبل السحرة ، فيثبت ما ذكره منكر الولاية التكوينية.
والجواب :
صحيح أن صدور هذه المعاجز منه عليهالسلام لدفع غطرسة فرعون وقومه والإشكال المذكور مبني على كون الولاية التكوينية إنشائية لا فعلية ، وكونها إنشائية مردود جملة وتفصيلا ، لا سيما وأنّ القرائن العقلية والنقلية تقف إلى الضد من ذلك ، مضافا إلى أنه ما المانع أن تكون فعلية لا سيما وأنّ الرب جلّ وعلا ائتمن الرسل والأوصياء على دينه وخلقه ، فما المبرر لأن يمنحهم شيئا دون ذلك من الأهمية ثم يستردّه منهم؟!
فمن الناحية العقلية يظهر المنح الإنشائي وجود المؤهل الذاتي ، وهذا المؤهل إن أمكن وجوده في مرة أمكن إيجاده في مرّات ، بمعنى أنّ القرآن إذ يظهر لنا أن الولاية منزلة يبلغها من يمكن أن تسلب منه كما رأينا في آية (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ...) فهي أيضا منزلة يمكن أن تتعاظم كما تظهر آية من عنده علم من الكتاب (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).
وآية من عنده علم الكتاب (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ).
وهذا التفاضل يظهر أن الولاية شأن يمنح بناء على مواصفات ذاتية ، وما دام الأمر على هذا النحو ، فما المانع إن ظلّ المؤهل الذاتي ـ الذي منح الإنسان على ضوئه الولاية ـ موجودا في أن تظل هذه الولاية ، هذا فضلا عن أن تتعاظم إن زادت قدرات وكفاءات هذا المؤهل؟ خصوصا أن من يمنح هذه الولاية إنما يمنحها وفقا لكفاءاته في التوحيد الإلهي العملي وكلما ازداد يقينا في شئون التوحيد ، ازدادت منزلته في هذا المجال (١).
فمن كان يمتلك بعضا من علم الكتاب كآصف بن برخيا كانت الولاية عنده فعلية لا شأنية للضمير المنفصل «أنا» ولضمير المتكلم «آتيك» الدال على أن هذا الفعل من عمل آصف نفسه.
__________________
(١) المصدر السابق : ص ٤٠.