ومن هذا القبيل ما ورد في قصة إبراهيم وذبح ابنه اسماعيل وتوطين نفسيهما على الصبر والبلاء ، وهذا يختلف عمّا عليه بعض الأولياء الذين لم يوطنوا أنفسهم على شدّة الضّر والبلاء المتوجّه إليهم كما في قصة يونس عليهالسلام ، كما أنّ هناك أنبياء كسليمان قد نالوا شرف استخدام الولاية التكوينية لاعتبارات إلهية ، لذا ينبغي أن نعي حقيقة أن التفاضل المطروح بين الأولياء إنما هو في الصبر على البلايا ، ولهذا نجد منهم من آثر أمر تحمل العناء على أمر التصرف بشئون الولاية التكوينية مع قدرته عليه ، كما نجد ذلك في قصة نوحعليهالسلام لذلك أثنى عليه ووصف بالمحسنين (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات / ٨٠ ـ ٨١) ووصف المحسنين إنما يمنح لمن يقوم بأداء الحق فلا يكتفي بالذي عليه بل يعمد إلى تنجيز ما هو أكثر منه ، وهذا ما يفيدنا أن النبي والأئمة عليهمالسلام حينما قبلوا بمبدإ استقبال البلاء والضراء فبسبب رغبتهم في التفاضل والتمايز)(١).
وأما جواب الشبهة الثالثة :
توضيح الشبهة : إن المستشكل ربط بين الولاية التكوينية وبين تفويض أمر الكون إليهم بعد خلقه.
يجاب عنه :
١ ـ لا مانع عقلا أو نقلا أن يشارك الأنبياء والأئمة عليهمالسلام الله تعالى في تدبير الخليقة ما دام الله تعالى أذن لهم في ذلك وما دامت إرادتهم وقدرتهم مستمدة من إرادة وقدرة الباري عزوجل ، بمعنى أن قدرتهم طولية وتبع لإذنه تعالى لا عرضية حتى يترتب على القائل بها عنوان الكفر والشرك. بل إنّ القول بوجود قدرة عرضية في مقابل القدرة الإلهية يعدّ خرقا لقانون القدرة الإلهية وهو من المستحيلات العقلية حيث لا توجد قدرة في مقابل قدرة الله المطلقة.
٢ ـ إن القرآن الكريم قد صرّح ضمن آياته المباركة أن بعض الأنبياء كعيسى وإبراهيم قد شاركا الله تعالى في مسألة الخلق ، لكن مشاركتهما له تعالى طولية وبأمره ، فالشرك المذموم هو الذي لم يأمر به الله سبحانه ، وإلّا لو حكمنا بقبح كل شرك لوجب علينا أن نحكم بقبح مشاركة الرسول والمؤمنين ـ الذين هم أولو الأمر عليهمالسلام ـ لله تعالى في الولاية التشريعية التي ذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى :
__________________
(١) الولاية التكوينية : ص ١٥١ ـ ١٥٢ بتصرّف في بعض ألفاظه.