والوفاء ، من ناحية قربهم إليه سبحانه ، ومنزلتهم عنده ، وطهارتهم من الشرك والمعاصي ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه ، ولا يمكن أن نتصور أنه تعالى يفرض حبّ من يرتكب المعاصي أو لا يطيعه حقّ طاعته ، فإنّه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة ، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلّا عبيدا مخلوقين على حدّ سواء ، وإنّما أكرمهم عند الله أتقاهم. فمن أوجب حبّه على الناس كلهم لا بدّ أن يكون أتقاهم وأفضلهم جميعا ، وإلّا كان غيره أولى بذلك الحبّ ، أو كان الله يفضّل بعضا على بعض في وجوب الحبّ والولاية عبثا أو لهوا بلا جهة استحقاق وكرامة.
* * *
والبحث في هذا الباب ضمن نقاط :
النقطة الأولى :
تعتقد الشيعة الإمامية أنّ محبة آل البيت عليهمالسلام واجبة بنص الكتاب وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مضافا إلى وجوب البراءة من أعدائهم ووجوب بغضهم ، ومن غرر الآيات الدّالة على وجوب محبة أهل البيت عليهمالسلام قوله تعالى :
(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى / ٢٤).
وقد ذكر الفريقان النصوص المتواترة في أنّ الآية نزلت في أهل البيت عليهمالسلام فقد روى الشيخ الطبرسي (قدسسره) بإسناده عن عبد الله بن عباس قال : إنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام ، قالت الأنصار فيما بينها : نأتي رسول الله فنقول له : إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك ، فأتوه في ذلك فنزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقرأها عليهم وقال : «تودّون قرابتي من بعدي» فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله (١)
وروى القمي (قدّس سره) قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في قول الله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) «يعني في أهل بيته».
قال : جاءت الأنصار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : إنّا قد آوينا ونصرنا فخذ
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٩ ص ٢٩.