الآخر ، هذا وكل شيء يتقوى من جنسه ويتضعّف من ضده فيميل كل شيء إلى ما يقوّيه، وينفر عمّا يضعف ، إذ بالأول يحفظ وجوده ويستمدّ منه ، وبالثاني ينقص وجوده ويقارب الفساد والعدم ، ولذا يكون ميل الأضعف إلى الأقوى أكثر من ميل الأقوى إلى الأضعف ويشتد الميل باشتداد المشابهة ، ويضعف بضعفها ، فكلما يرق ما به التمايز ويقوى ما به الاشتراك يزداد الحب ، وكلما يعكس ينقص ، فميل المجانس إلى المجانس أقوى من ميل المماثل إلى المماثل ، وميل المماثل إلى المماثل أقوى من ميل المشاكل إلى المشاكل ، فإنّ الصورة في الشخص أغلظ منها في النوع ، وهي في النوع أغلظ منها في الجنس ، والجنسان أو النوعان أو الشخصان المتقاربان أقوى حبّا من المتباعدين والمتمايز بالصورة أقل حبّا من المتمايز بالمعنى ، لأنّ المعنى أرقّ وحكم الوحدة في المعاني أقوى من حكمها في الصورة ، والمتمايز بالحقيقة أكثر حبّا من المتمايز بالمعنى ، فإنّ الوحدة هنالك أغلب ، ألا ترى أنّ أولي الأفئدة أقل تنافرا من أولي الألباب ، وأولو الألباب أقل تنافرا من العلماء ، والعلماء أقل تنافرا من سائر المؤمنين ، والمؤمنون أقل تنافرا من سائر الناس ، وهكذا ينزل الأمر إلى الجمادات فهي أكثر الموجودات تنافرا وأقلها ميلا ، وإنما ذلك على حسب مراتب ظهور الوحدة وخفائها وغلبتها وضعفها ، فأشدّ الموجودات محبّة الخلق الأول صلوات الله عليهم ، فلا يوازي حبّ بعضهم بعضا حبّ أحد أحدا لكمال المجانسة التي فيهم وكمال غلبة الوحدة عليهم حتى أنهم خلقوا من نور واحد وطينة واحدة وروح (١) واحدة ، ذريّة بعضها من بعض ، وأشدّ الناس لهم حبّا بعدهم هم شيعتهم المتّبعون لهم فإنهم خلقوا من فاضل طينتهم وعجنوا بماء ولايتهم فمن تبعني فإنه مني ، فهم منهم صلوات الله عليهم ، سلمان منّا أهل البيت ، أنتم من آل محمّد ، وفي الدعاء اللهم إن شيعتنا منّا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ، وفي الخبر في غاية المرام وأمالي الطوسي (٢) : شيعتنا جزء منّا خلقوا من فضل طينتنا يسوؤهم ما يسوؤنا ويسرّهم ما يسرّنا فإذا أرادنا أحد فليقصدهم فإنهم الذين يوصل منه إلينا.
وكلما يزداد شيعتهم شبها بهم ويقل التنافر والتمايز يشتدّ الحب بينهم ،
__________________
(١) المراد من روح واحدة : أنهم بالفضائل متساوون.
(٢) الأمالي : ج ١ / ٣٠٥ باب ١١.