المؤمنين من تلك الطينة وجعل خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجّين قلوبهم وأبدانهم وخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ، ومن هاهنا يصيب المؤمن السيئة ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة [لكن لا على وجه الجبر] ، فقلوب المؤمنين تحنّن إلى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحنّ إلى ما خلقوا منه (١). إلى غير ذلك من الأخبار وهي كثيرة لمن جاس خلال الديار.
وكل من لم يصل إلى درجة العرفان فإنّ حبه لا محالة عرضي لأنّ الفؤاد ما دام مشغولا بغير الحبيب كيف يتفرّغ له ، فالفؤاد السليم إذا حدث في الإنسان كان عارفا محبا مؤثرا للمحبوب على ما سواه فلا يحتاج إلى رياضة ومشقة وكلفة وتحصيل ، وإنما يحتاج للمعالجة في تحصيل الصفات الحقيقية بمجاهدة النفس الأمّارة لا غير ، ولمّا كان الحب كغيره من الصفات كالخوف والرجاء التي لا بدّ أن يتحلّى بها الإنسان من الصفات الكامنة في النفس الإنسانية بالقوة وليست موجودة بالفعل أراد الساسة الحقيقيون صلوات الله عليهم إصلاح القابلية ليظهر منها تلك الأرواح وتصير فيهم بالفعل ، كما أنّ الله عزوجل يصلح قابلية النطفة والعلقة والمضغة في الرحم في مدة مديدة حتى تتصور بصورة الإنسان فيتعلق بعد تمام صلاح القابلية روح الحيوان ثم روح الإنسان بعد تولده وجعل الإنسان صالحا لإصلاح القابلية ، وهيأ له أسباب التمكين والإصلاح وهو وجود الساسة صلوات الله عليهم وأمرهم ونهيهم ووعدهم ووعيدهم فمن سبق له من الله الحسنى أطاعهم بتكلّف وتجشم ومشقة ورياضة حتى تعتدل صورته ومادته بسبب الطاعة وهي في وسعهم ومكنتهم لمّا خلقهم الله خلقة صالحة للطاعة ، فإذا اعتدل أفاض الله عليهم روحا منه أولئك الذين كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه يهديهم ربّهم إلى تلك الروح بإيمانهم فيخلق فيهم النفس الناطقة القدسية وهي مثال النفس الكلية الإلهية ، والعقل وهو مثال العقل الكلي والفؤاد وهو مثال نور الله الأكرم والتجلّي الأعظم ، فما لم تتمكن القابلية وتعتدل لا يظهر فيهم تلك المثل كما لا ينشأ الولد خلقا آخر حتى يتمكن البدن ويعتدل فلأجل ذلك أمرنا
__________________
(١) أصول الكافي : ج ٢ ص ٢ ح ١.
وأورده في المحاسن بلفظ آخر ص ١٣٦ ح ٢٠.