وهذه الهداية لا يمكن ان تتخلّف عن المراد لأنها هداية تكوينية ، إذ إن من عمل بصدق لا بدّ بإذنه تعالى أن يفاض عليه شيء من عوالم الغيب بواسطة الإمامة ، لذا عبّر عنها بأنها توصل الى المطلوب.
إشكال :
قلتم أنّ الإمامة التي هي جزء من نظام التكوين والوجود توصل الإنسان إلى المطلوب ممّا يعني أنها قانون لا يتخلّف عن المراد ، فهي بهذا اللحاظ تستلزم الجبر الذي قامت الأدلة على بطلانه ، فكيف نوفق بين حرية الإنسان واختياره وبين القول أنّ الهداية التكوينية لا تتخلّف أبدا؟
والجواب :
إنّ الهداية التكوينية لا تعطى لكلّ أحد بل هي هبة تعطى لمن أراد الهداية لنفسه ولمن أراد أن يصل إلى الهدف المنشود ، فهي بهذا المعنى لا تخطئ الهدف أبدا بل توصل إلى النتيجة المطلوبة التي تريد الوصول إليها ، فهي على عكس الهداية التشريعية التي تقتصر على إراءة الطريق ، فقد يسير الإنسان في الطريق ولكنه قد يخطئ الهدف ، مثاله أنت قد تريد أن تصل إلى الهدف «أ» وأنت حرّ تملك إرادة الفعل وعدمه ، وعندئذ تكون بين أمرين : إمّا أن يدلّك أحد على الطريق ، وهذه هي إراءة الطريق التي هي وظيفة الأنبياء (الهداية التشريعية) ، وإمّا أن لا يكتفي الطرف الآخر بإراءة الطريق وإنما يأخذ بيدك للوصول إلى الهدف ، ومن المؤكّد أنه عند ما يأخذ بيدك فذلك لا يسقط عنك اختيارك لأنّك أعطيت يدك له بملء إرادتك وأنت حرّ مختار في أن تنفلت وتسحب يدك ولا تسير معه إلى آخر الطريق.
النقطة الثانية :
لا خلاف بين الشيعة أنّ الإمامة من أصول الدين ، وهو أمر لا غبار عليه ولا يعبأ بالشواذ منهم ، وكذا لا خلاف فيما ذهب إليه العامة من أنها من الفروع ما عدا البيضاوي منهم حيث وافقنا على كونها من الأصول مع اعتقاده أنها زعامة اجتماعية وسياسية ، بل كفّر كل من لم يعتقد بأنها من الأصول (١).
وقد بالغوا في فرعيّة هذه المسألة ، حتى قالوا لا يجب البحث عنها ولا طلب
__________________
(١) كتاب المنهاج مبحث الأخبار.