إياكم والغلوّ فينا ، قولوا إنّا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم (١).
مضافا إلى أنه سبحانه أوجب عليهم تكاليف ليست واجبة على غيرهم ، فهم زيادة على التكاليف العامة المشتركة بينهم وبين سائر المكلفين ، هناك تكاليف أخرى ملقاة على عواتقهم عليهمالسلام من باب كونهم قدوة للبشر وسعة ظروفهم وقابلياتهم ، كل ذلك استدعى أن يكونوا أوعية المشية الإلهية وخزّان علمه ومعادن حكمته.
والمصنّف (قدسسره) لم يحدّد بدقة مفهوم الغلوّ الذي ارتطم بفهمه كثير من الناس لا سيما بعض أهل العلم منهم ، فجعلوا التحدّث عن بعض الفضائل كعدم طمث الزهراءعليهاالسلام يعدّ نوعا من المغالاة بها (٢) وحالة مرضية يجب العلاج منها ؛ إلى ما هنالك من شبهات تثار هنا وهناك على فضائل ومعاجز الأئمة عليهمالسلام.
«فالغلوّ» لغة : الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء ؛ وغلا في الدين والأمر يغلو غلوا : جاوز حدّه ، وفي التنزيل : لا تغلو في دينكم ، وغلوت في الأمر غلوا وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحدّ وأفرطت فيه (٣).
وفي الاصطلاح : هو مجاوزة الحدّ المعقول ، والغالي ـ عند الشيعة الإمامية ـ هو من جعل الإمام عليهالسلام إلها أو حلّ الإله فيه حاشاه عزوجل كالنصيرية وبقية الفرق المبتدعة ، الذين يغالون في الأئمة كمن يجعل الإمام عليّا عليهالسلام إلها.
لقد فقأ عين الحقّ من ادّعى (٤) أنّ من المغالاة الاعتقاد بأن الأئمة عليهمالسلام لم يكونوا يحدثون بالأصغر أو الأكبر ، فقال : «تصل المغالاة عند البعض إلى الادّعاء بأنّ الأئمة عليهمالسلام لم يكونوا يحدثون بمعنى الحدث الأكبر أو الأصغر أو التغوّط ، أبهذه الطريقة نثبت أن للأئمة عليهمالسلام كرامات ، أم بالطرق التي لا تخرج الأئمة عن بشريّتهم وإنسانيتهم ...».
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٧٠.
(٢) هذا ما افتراه بعضهم في كتابه «مأساة كتاب المأساة» ص ٩٩ حيث بمقالته الشنيعة قد طرح الروايات العديدة التي تفوق حدّ الاستفاضة بشأن عدم طمث الزهراء عليهاالسلام وروحي فداها ، وأنه نوع كرامة لها لأنّ الطمث قذر ونجس عرفا ولغة واصطلاحا ، وهما منفيان عنها لطهارتها بنصّ آية التطهير.
(٣) لاحظ لسان العرب : ج ١٥ ص ١٣٢.
(٤) نجيب نور الدين في كتاب مأساة المأساة.