الغلو ، وإلّا حكمنا على أهل الجنّة الذين لا يبولون ولا يغوطون ـ وإنما تخرج الفضلات من مسامّ الجلود كرائحة المسك ـ بأنهم ليسوا بشرا أو أنهم خرجوا عن حدّ البشريّة. قد يقال : إن لأهل الجنّة أحكاما خاصة فلا يقاسوا بغيرهم من أهل الدنيا. والجواب : بما أن مسألة التغوط وغيرها ليست من الأحكام العقلية المحضة فيمكن حينئذ مشابهة أهل الجنّة بمن خلقت لأجلهم الجنّة ، فإذا ثبتت الكرامة للمفضول ، ثبتت للفاضل بطريق أولى ، فلا فصل بين الدنيا والآخرة بالنسبة للكرام من أهل الجنّة. هذا مضافا إلى أن الملازمة لو صحت لاستلزم خروج الحيوانات المأكولة اللحم عن حدّ البهيمية لكون أرواثهم وأبوالهم طاهرة ، فمنشأ النجاسة ونحوها إنّما هو من جهة النفس الظلمانية ، وليس في نفوسهم أي أثر للظلمة ، لذا ورد أنّ الأنبياء خلقوا من نور أجسامهم اللطيفة وأجسادهم الشريفة ، فلا معنى لطروء النجاسة أو الجنابة بالنسبة إلى العقول الصافية ، فكيف بما هو أعلى منها مرتبة ، فالأنوار اللطيفة في غاية اللطافة لا تعرضها الخباثة والكثافة ، لذا ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ألا إنّ مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلا على محمد وأهل بيته : علي وفاطمة والحسن والحسين (١) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلا لرسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا (٢).
لذا قال العلّامة الأميني «قدّس سره» : (إنّ سدّ الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن الأدناس الظاهرية والمعنوية ، فلا يمرّ به أحد جنبا ، ولا يجنب فيه أحد. وأما ترك بابه صلىاللهعليهوآلهوسلم وباب أمير المؤمنين عليهالسلام فلطهارتهما عن كلّ رجس ودنس بنص آية التطهير ، حتى إنّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما ...).
وما ورد من أنّ مولاتنا الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام قد اغتسلت غسل الوفاة قبل وفاتها ممّا يدلّ على أنها كانت طاهرة كأبيها وبعلها وبنيها في حياتها وبعد مماتها ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة ، مع أننا نعلم أنه ممّا لا خلاف فيه من تنجس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس منه.
قال الأربلي «قدّس سره» في «كشف الغمة» : (واتّفاقهما من طرق الشيعة
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٦٥ ، والاخبار بذلك فوق حدّ الاستفاضة ، راجع : فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي ج ٢ / ١٥٦ ط. دار الكتب الإسلامية.
(٢) الغدير للعلّامة الأميني ج ٣ ص ٢١١.