الثانية : أن تكون نصرة غيرهم للمؤمنين كلا نصرة بالنسبة إلى نصرتهم وحينئذ يتمّ المطلوب أيضا إذ إن من لوازم الإمامة النصرة الكاملة للمؤمنين ، ولا سيما أنه تعالى قرنها بنصرته ونصرة رسوله.
وبالجملة : قد دلّت الآية الكريمة على انحصار الولاية بأي معنى فسرت بالله ورسوله وأمير المؤمنين ، وأنّ ولايتهم من سنخ واحد ، فلا بدّ أن يكون أمير المؤمنين عليهالسلام ممتازا على الناس جميعا بما لا يحيط به وصف الواصفين ، فلا يليق إلّا أن يكون إماما لهم ونائبا من الله تعالى عليهم جميعا.
ويشهد لإرادة الإمامة من هذه الآية :
إنّ هذا الخطاب الإلهي يتوجّه إلى الأمة الإسلامية ليحدّد لها أولياءها بالخصوص وإن من الواضح جدا هنا أنّ المولى غير المولى عليه فالذين آمنوا ـ في تعبير الآية ـ هم غير المخاطبين المولى عليهم ، وسياق هذه الآية ليس كسياق الآية الشريفة (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) لأنّ الآية في مقام بيان الأولياء من الله تعالى والرسول والذين آمنوا وهو أمر لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.
وعليه ف (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) هم أفراد معيّنون ، لهم شأن وامتياز عن الآخرين وذلك إما لأنّ هذه الصفات المذكورة تتجلّى بكل واقعها فيهم أو لأنهم سبقوا غيرهم إليها ، كما أن من الواضح أيضا أن حقيقة هذه العلاقة المعبّر عنها بالولاية بين الله ورسوله وهؤلاء الذين آمنوا ، وبين أفراد الأمة الإسلامية ليست كالرابطة المتقابلة بين فردين أو جماعتين من الأمة أي رابطة الحب والتعاون والتناصر ، وإنما هي علاقة خاصة يكون أحد الطرفين فيها مؤثرا في الآخر دون العكس وليست هي إلّا الأولوية في التصرف ، وإن اختلفت بالنسبة إلى الله تعالى وإلى غيره أصالة وتبعا وشدة وضعفا ، فولاية الله تعالى هي الأصيلة في حين أن ولاية الرسول ومن يتلوه هي مستمدة من ولاية الله تعالى ، فإذا لاحظنا هذا الذي قلناه وأدركنا الربط بين الحكم الوارد في هذه الآية ومدى تناسبه مع موضوعه وركّزنا على جعل ولاية الذين آمنوا ـ هؤلاء ـ في سياق ولاية الله تعالى ورسوله عرفنا بدقة أن المراد منهم أولو الأمر الذين افترض الله طاعتهم على المؤمنين وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقد جاءت الولاية المعطاة لهؤلاء مطلقة في الآية