من تعمير حياة الإنسان. وإذا عجز عنه الطبّ فإن الله تعالى قادر على كل شيء ، وقد وقع فعلا تعمير نوح وبقاء عيسى كما أخبر عنهما القرآن الكريم ... ولو شكّ الشاكّ فيما أخبر به القرآن فعلى الإسلام السّلام.
ومن العجب أن يتساءل المسلم عن إمكان ذلك وهو يدّعي الإيمان بالكتاب العزيز.
ومما يجدر أن نذكره في هذا الصّدد ونذكّر أنفسنا به أنّه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل المسلم أبدا مكلّف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية ، واجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة ، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ...» فلا يجوز له التأخر عن واجباته مجرّد الانتظار للمصلح المهدي والمبشر الهادي ، فإن هذا لا يسقط تكليفا ، ولا يؤجل عملا ، ولا يجعل الناس هملا كالسوائم.
* * *
اتفق المسلمون جميعا على خروج مخلّص ينقذ البشرية جمعاء من براثن الظلم والجور ، والأخذ بيدها إلى العدل والقسط والطمأنينة والسعادة ، بل وافقهم على ذلك بقية الملل والأديان بمختلف مشاربها ، فالمخلّص عنوان لطموحات البشرية كلّها ، وصياغة فريدة للإلهام الفطري أدرك الناس من خلاله أنّ للإنسانية يوما موعودا على الأرض يتحقق فيه بسط العدل وإماتة الجور ، وتفرض فيه رسالات السماء أهدافها ، وتجد فيه المسيرة الإنسانية المكدودة على مرّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل ؛ وهذا الشعور ـ كما قلنا ـ عام يشمل غير المسلمين ، كالنصارى واليهود بل انعكس حتى على أشدّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضا للغيب والغيبيات كالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود تصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام ، إذن لدى الشعوب المستضعفة والمسحوقة ميل نفسي نحو الانعتاق من أسر الظلم وعبودية المادة ، ومن الطبيعي أن يدعم الدين هذا الشعور