منه وهو يتلو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ...) تماما كما غيّب جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أبصار قريش حين اجتمعوا على قتله فخرج من بينهم وهم لا يشعرون.
وهنا شنّ بعض المتحاملين من العامّة والمستشرقين حملات مستعرة على الشيعة مستهترين بهم وبإمامهم المغيّب في السرداب وسوف يظهره الله في اليوم الموعود ومن هؤلاء : ابن خلدون في مقدمته وهو كعادته يطلق كلماته بازدراء وتهكم على الشيعة كما أنه أنكر وجود الإمام المهدي (عج) الذي تواترت بظهوره ووجوده الأخبار المتواترة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد فنّد مقالته أحد أعلام السنّة المحقق أحمد محمّد شاكر في شرحه على مسند أحمد ج ٥ ص ١٩٧ قال : (وأمّا ابن خلدون فقد فقأ ما ليس به علم واقتحم قحما ...). ولقد رد علماء آخرون على ابن خلدون في مجال رفضه للأحاديث ، لا سيما المتواترة منها والتي رفضها ابن خلدون عصبية منه على أحفاد علي أمير المؤمنين ، فأحاديث المهديعليهالسلام بلغت حد التواتر بل فوق التواتر بمرات ، وحكم المتواتر وطريقة معالجته ليستا كحكم أحاديث الآحاد ومعالجتها ، إذ إنه في المتواتر لا يبحث عن الجرح والتعديل كما في أخبار الآحاد. وقد ذهب إلى هذا أبو الفيض الغماري في كتابه «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» حيث قال : «ألا وأنّ في أعلامها الصريحة وأشراطها الثابتة الصحيحة ظهور الخليفة الأكبر والإمام العادل الأشهر ، فقد تواترت بكون ظهوره من اشراط الساعة ومن شروطها ، الأخبار وصحت عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك والآثار ، ففي التذكرة للإمام القرطبي وفتح الباري للحافظ العسقلاني نقلا عن الحافظ أبي الحسين الآبري أنه قال ما نصه : ... تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في المهدي وأنه من أهل بيته .. وممن نص على تواتر أحاديث المهدي أيضا الحافظ شمس الدين السخاوي في فتح الغيث والحافظ جلال الدين السيوطي في الفوائد المتكاثرة ...». ثم يتابع العلّامة الغماري ذكر من شهدوا بالتواتر إلى أن قال : قد كثر في الناس اليوم من يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ويضله من ينكر ظهور المهدي وينفيه ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه مع جهله بأسباب التضعيف وعدم إدراكه معنى الحديث الضعيف وتصوره مبادي هذا العلم الشريف وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية بتواترها عن البيان لحالها والتعريف ... مع أن ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان