هم أناس انعزاليون بحاجة إلى رعاية فكرية.
ونحن نسأل أحمد أمين وأمثاله : إذا كان الشيعة هم المخترعون لهذه الفكرة ، فما ذا يفعل بمئات الأحاديث التي رواها علماؤه في مصادرهم وبطرقهم وأسانيدهم؟! ولما ذا لم يكلّف أحمد أمين نفسه مناقشة هذه الأحاديث في إسنادها ومتونها ، مكتفيا بشطحة قلم تطيح بعشرات الأحاديث بل مئاتها بل آلافها ، فهل يا ترى كل هذه الأخبار من صنع الشيعة ، وإذا كانت من صنعهم ، فلما ذا أخذ بها كبار علماء العامة ودافعوا عنها بكل قوة؟! فلا يخلو الأمر حينئذ من شيئين :
إما تواطؤ علماء العامة مع الشيعة ، وإما جهلهم بطرق الحديث ومتونه ، وكلاهما لا يقر بهما أحمد أمين وأمثاله فيثبت أن ما ادعاه الشيعة ليس من مبتدعاتهم وإنما هي من وحي السماء نزل على سيد المرسلين محمد الذي أخبر عن حفيده الإمام المهدي عليهالسلام فنحن نؤمن بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين رغما عن أنفي ابن خلدون وأحمد أمين.
عود على بدء :
لقد شهدت الغيبة الصغرى عدّة مميزات منها :
الميزة الأولى : الحالة العامة للمجتمع آنذاك وما أعقبها من تطورات.
الميزة الثانية : عدم الاحتجاب الكليّ عن الناس.
الميزة الثالثة : مهام السفراء ونشاطهم خلال تلك الفترة.
أما الميزة الأولى : لقد تميّزت تلك الفترة :
أولا : بالحروب الداخلية والغارات التي كان يشنّها الأكراد والخوارج وبعض الأعراب على أطراف الدولة العباسية ممّا استدعى انشغال السلطات العباسيّة بردّها وإنفاقها الأموال الطائلة من أجل ذلك ، إضافة إلى هدر الدماء من أجل الحفاظ على سدّة الحكم العباسي آنذاك.
ثانيا : الفساد الخلقي والسياسيّ وغير ذلك في أوساط الحكّام وانغمارهم في الملاهي والملذّات ومن الطريف أن ينقل لنا التاريخ كيف أنّ المعتمد العباسيّ مات مبطونا من كثرة الأكل على شطّ الفرات (١) كما أنّ المعتضد مات مسموما من
__________________
(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج ٧ ص ٤٥٥.