في حلّ قضاياهم ومشاكلهم بواسطة السفراء الأربعة المنتخبين من قبله عليهالسلام.
الميزة الثانية :
مما لا ريب فيه بحكم العقل والنقل أنّ العزلة بحدّ ذاتها قبيحة إن لم يترتّب عليها آثار إيجابية على الصعيد الفردي ، فليست كلّ عزلة تعتبر أمرا سلبيّا يجب نبذه ، فهناك عزلة قد تجب وأخرى قد تحرم ، بحسب ما يطرأ عليها من عناوين أولية أو ثانوية ، فربّ فرد قد اعتزل الناس لغاية أهم بنظر العقل من الاختلاط بحيث تكون مقدّمة لتصقيل النفس من أدران الرذيلة أو لكبح جماحها من الانفلات في غمرات الاختلاط ممّا يؤدي بها إلى التهاوي والسقوط في أحضان الشهوة والتسافل. وقد تكون العزلة اعتراضا على القوم الفاسقين لأنهم سدوا آذانهم وأوصدوا قلوبهم عن سماع الموعظة الحسنة.
فالعزلة عند الإمام عليهالسلام إذن ليست هدفا بذاته أو غاية في نفسها وإنّما هي من أجل مصلحة عليا أهمّ من تواجده الدائم ظاهرا للعيان أو من أجل أمور نقطع بخطرها عليه عليهالسلام لو لم يستتر ، ومن هذه الأمور : الخوف من القتل فيؤدّي ذلك إلى إفشال المخطط الإلهيّ ليوم بسط العدل وطيّ الظلم ، أو للحذر عن شيعته ومواليه ممّا قد يسبّب لهم مزيد الملاحقة والمطاردة من قبل الحكّام الجبّارين بسبب مطالبتهم لإمامهم الذين يترقّبون خروجه ليزهق باطلهم ويبسط عدله عليهم.
ومع هذا فإنّ إمامنا المهدي (عج) الشريف لم يحتجب كليّا عن شيعته ومواليه وبشكل دائم بل انّ احتجابه واستتاره إنما كان عن الذين لم يصلوا إلى مرحلة تؤهلهم لنيل الفيض الإلهيّ على يد مخلّص البشرية فاحتجابه كان عمّن غرق في بحر الآثام ، لذا ورد في زيارة أبيه الإمام العسكري عليهالسلام (السلام عليك يا أبا الإمام المنتظر الظاهرة للعاقل حجّته والثابتة في اليقين معرفته ، المحتجب عن أعين الظالمين والمغيّب عن دولة الفاسقين) (١).
فكلّ إنسان لم يصل إلى مرحلة الإخلاص فلن يتوفق لرؤيته ، لأنّ النور لا يجتمع مع الظلمة ، خاصة وهو المدّخر لإقامة النور والحقّ.
__________________
(١) مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي (قدسسره) ص ٥٨٥.