لذا عرّفهم الله سبحانه بقوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون / ٢) فإذا كان هذا حدّ المنافق ـ بحسب المصطلح القرآني ـ فكيف تقاس التقية بالنفاق ، ويتهم المتقي الخائف على نفسه أو عرضه أو ماله بأنه منافق؟!
النقطة الثانية : الأدلة على التقية من الكتاب والسنة والعقل :
أما الكتاب :
فقد نصّت جملة من آيات الكتاب الكريم على مشروعية التقية صونا للنفس أو العرض أو المال عن الوقوع في الخطر والتهلكة منها :
الآية الأولى :
قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (النحل / ١٠٧).
فالآية المباركة واضحة الدلالة على تجويز إظهار الكفر كرها ومجاراة للكافرين خوفا منهم بشرط بقاء القلب مطمئنا بالإيمان ، وقد قام إجماع المفسرين والفقهاء والمحدّثين بإثبات ذلك ضمن مطاوي كلماتهم نستعرض جملة منها :
١ ـ قال المحدّث القمي (قدسسره) :
أما قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ...) الآية المتقدمة ، هو عمّار بن ياسر أخذته قريش بمكة فعذّبوه بالنار حتى أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مطمئن بالإيمان(١).
٢ ـ وقال المحدّث الخبير الطبرسي (قدسسره) :
نزلت الآية في جماعة أكرهوا على الكفر وهم عمّار وأبواه ياسر وسميّة ، وقتل الأبوان لأنهما لم يظهرا الكفر ولم ينالا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأعطاهم عمّار ما أرادوا منه فأطلقوه ، ثم أخبر عمّار بذلك رسول الله وانتشر خبره بين المسلمين فقال قوم : كفر عمّار ، فقال الرسول : كلا إنّ عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، وفي ذلك نزلت الآية وكان عمّار يبكي ،
__________________
(١) لاحظ تفسير القمي : ج ١ ص ٤٢٢.