إيثار الحق على الخلق : «وزاد الحق غموضا وخفاء أمران : أحدهما : خوف العارفين ـ مع قلتهم ـ من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن ، وإجماع أهل الإسلام ، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق ، ولا برح الحق عدوا لأكثر الخلق ، وقد صحّ عن أبي هريرة أنه قال : ـ في ذلك العصر الأول ـ حفظت من رسول الله وعاءين ، أما أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. (١)
وقال المراغي تعقيبا على الآية المزبورة :
«ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة ، وإلانة الكلام لهم ، والتبسّم في وجوههم وبذل المال لهم لكفّ أذاهم وصيانة العرض منهم ، ولا يعدّ هذا من الموالاة المنهيّ عنها ، بل هو مشروع ، فقد أخرج الطبراني قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما وقى المؤمن به عرضه فهو صدقة» (٢).
وقال الآلوسي :
«في الآية دليل على مشروعية التقية ، وعرّفوها بحفظ النفس أو العرض أو المال من شرّ الأعداء.
والعدوّ قسمان :
الأول : من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم.
الثاني : من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإدارة»(٣).
أفبعد هذا كله يقال : إنّ الشيعي يتقي من السني بزعمهم وقد علمت ـ أيها القارئ اللبيب ـ أن علماء السنّة أفتوا بجواز التقية بل بوجوبها من المسلم على المسلم في حال تعرّض النفس للخطر الخ.
فالشيعة أيدهم المولى يتّقون الكفار في ظروف خاصة لنفس الغاية التي لأجلها يتقيهم السني ، غير أن الشيعي ولأسباب لا تخفى ، يلجأ إلى اتقاء أخيه
__________________
(١) محاسن التأويل : ج ٤ ص ٨٢ لجمال الدين القاسمي.
(٢) تفسير المراغي : ج ٣ ص ١٣٦.
(٣) تفسير روح المعاني للآلوسي : ج ٣ ص ١٢١.