إنّ القول بالتشابه بين هؤلاء وبين من يتخذ التقية غطاء وسلاحا دفاعيا ليسلم من شر الغير ، حتى لا يقتل ولا يستأصل ، ولا تنهب داره وماله ، إلى أن يحدث الله أمرا من قبيل عطف المباين على مثله.
إنّ المسلمين القاطنين في الاتحاد السوفياتي السابق قد لا قوا من المصائب والمحن ما لا يمكن للعقول أن تحتملها ولا أن تتصورها ، فإنّ الشيوعيين طيلة تسلّطهم على المناطق الإسلامية قلبوا لهم ظهر المجنّ ، فصادروا أموالهم وأراضيهم ومساكنهم ومساجدهم ومدارسهم وأحرقوا مكتباتهم ، وقتلوا كثيرا منهم قتلا ذريعا ووحشيا ، فلم ينج منهم إلّا من اتقاهم بشيء من التظاهر بالمرونة وإخفاء المراسم الدينية والعمل على إقامة الصلاة في البيوت إلى أن نجّاهم الله سبحانه بانحلال تلك القوة الكافرة ، فبرز المسلمون إلى الساحة من جديد ، فملكوا أرضهم وديارهم ، وأخذوا يستعيدون مجدهم وكرامتهم شيئا فشيئا ، وما هذا إلّا ثمرة من ثمار التقية المشروعة التي أباحها الله تعالى لعباده بفضله وكرمه سبحانه على المستضعفين ، فإذا كان هذا معنى التقية ومفهومها ، وكانت هذه غايتها وهدفها ، فهو أمر فطري يسوق الإنسان إليه قبل كل شيء عقله ولبّه ، وتدعو إليه فطرته ، ولأجل ذلك يستعملها كل من ابتلي بالملوك والساسة الذين لا يحترمون شيئا سوى رأيهم وفكرتهم ومطامعهم وسلطتهم ولا يترددون عن التنكيل بكل من يعارضهم في ذلك من غير فرق بين المسلم ـ شيعيا كان أم سنيا ـ وغيره ومن هنا تظهر جدوى التقية وعمق فائدتها» (١).
إذن فالعقل السليم يحكم بلزوم التقية عند الاضطرار إليها والنفوس البشرية مجبولة على فعلها إذا أحسّت بالخوف والخطر ، وظني أن المناقش بصحتها ناقص العقل والإدراك.
النقطة الثالثة : أقسام التقية :
تنقسم التقية إلى الأحكام التكليفية الخمسة ؛ قال الشيخ الأنصاري «قدّس سره» أما الكلام في حكمها التكليفي فهو أن التقية تنقسم إلى الأحكام الخمسة ، فالواجب : منها ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا وأمثلته كثيرة.
والمستحب : ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر ، بأن يكون تركه مفضيا
__________________
(١) الاعتصام بالكتاب والسنة : ص ٣١٨ ـ ٣١٩.