وقد يستجاب لهم نتيجة اقتضاءات كونية أو لمصالح وجودية يتوقف عليها النظام الوجودي للعالم ، وقد يكون في إجابتهم مصالح تخفى على العباد.
وقد يستجاب لهم ثوابا معجّلا في دار الدنيا دون حظ الآخرة وذلك حظهم من انتحالهم بعض الخير ولا يضيع في باب عظمة الله وجلاله عمل عامل وكلّ يناله نصيبه ، وهذا يزيد في رجاء الراجين وإحسان ظنّ المؤمنين.
النقطة الثانية : في أنّ الدعاء من تخطيطات العبودية :
بما أنّ الله سبحانه غني عن خلقه بالكليّة ، لا حاجة به إلى شيء من خلقه ولا انتساب له مع أحد من خلقه ولا مماثلة له ولا مشاكلة ولا مجانسة ، فلا يعطي بمقتضى ذاته أي لأجل ذاته ، لأن كل ذلك يستلزم الحدوث.
والله تعالى وإن كان هو المبتدئ بالنعم قبل أن تسأله بلسانك ولكن لا يعقل (مقبول بلا قابل ، وعطاء بلا سائل).
ففي طلب لعبد منه سبحانه بالدعاء نوع انكسار وتواضع إلى جناب الحق تعالى ، وغير الداعي مستكبر على ساحته عزوجل وفيه ما يوجب السخط والبعد والشقاء عن العزّة الإلهية والرحمة الربوبية.
فلا بدّ للعبد بأن يدعوه ويرفع إليه أكفّ حاجته ويتوجّه إليه بكلّه بوجه حاجته حتى يقدّر له ويقضي حاجته ويعطاها ويختص به الفيض العام ، والفضل الشامل الدائم المتواصل ، ولو لا دعاء العبد إليه سبحانه ورفع الأكفّ إليه تعالى وتوجهه نحو خالق الوجود لم يختص به شيء ولم يظهر عليه فضل ولم يقع في كفه عطاء أبدا قال تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
فمن لم يدع لم ينل شيئا في الدنيا والآخرة ؛ والدعاء في الحقيقة هو تخطيطات العبودية ، وأحكام الشريعة حدود العبودية ، والعبودية هي الانقياد للرب والانقطاع إليه عن نفسه وما سواه وذلك الانقياد والانقطاع هو مجلبة كل خير ومدفعة كل شرّ.
وحيث إن الدعاء من تخطيطات العبودية فتاركه خارج عن حدّ العبيد قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) فسمّى الدعاء عبادة وتاركه مستكبرا فكلما كمل العبد في مقام العبودية كثر دعاؤه وتضرعه ومسألته ، وكلما كثر دعاؤه كثرت إجابته وكثرت مسئولاته ومطلوباته