الترخيص بها) ومعارضتها ـ لو صحت المعارضة ـ مع النصوص المشجّعة لزيارة القبور ، فمقتضى الجمع بينهما لا بدّ أن تحمل على أحد وجهين :
الأول : إما لأنّ الأموات كانوا مشركين وعبدة للأصنام ، وقد قطع الإسلام كلّ العلاقات مع الشرك وأهله فنهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن زيارة الأموات.
الثاني : وإما لأنّ المسلمين كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فكانوا ينوحون على قبور موتاهم نياحة باطلة تخرجهم عن نطاق الشريعة ، ولمّا تمركز الإسلام في قلوبهم وأنسوا بالشريعة والأحكام ، ألغى النبي بأمر الله تعالى النهي عن زيارة القبور لما فيها من الآثار الحسنة والنتائج الطيبة.
وأما الروايات الصادرة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في زيارة القبور فكثيرة.
منها : ما ورد عن أبي هريرة أن النبي أتى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون (١).
ومنها : ما ورد عن ابن عباس قال : مرّ رسول الله بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه وقال : السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (٢).
ومنها : ما ورد عن بريدة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا :
السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وأنتم لنا فرط ونحن لكم تبع نسأل الله العافية (٣).
والروايات كثيرة متواترة نقل العديد منها العلّامة الأميني في كتابه الغدير ج ٥ ص ١٧١ عن المصادر المعتبرة عند العامة.
النقطة الثالثة : أدلة من حرّم زيارة القبور :
اتّفقت أمّة الإسلام على استحباب زيارة القبور إلّا الشواذ منهم كالوهابية في عصرنا الحاضر والتي تعرف بالسلفية ، فهؤلاء ذهبوا إلى حرمة التوسل بالأنبياء
__________________
(١) رواه صاحب الغدير : ج ٥ ص ١٧٠ نقلا عن أحمد ومسلم وأبي داود والنسائي.
(٢) رواه الترمذي والبغوي في المصابيح : ج ١ ص ١١٦.
(٣) سنن البيهقي : ج ٤ ص ٧٩.