في هذه الآية المؤمنين بثلاثة تكاليف يؤدي الالتزام بها وتطبيقها إلى نيل الفلاح والحياة الرغيدة ، وهذه التكاليف هي :
التكليف الأول : تقوى الله تعالى بمعنى أخذ الحيطة والحذر من الوقوع في المعاصي والمزالق المؤدية إلى الهلاك والخسران (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).
التكليف الثاني : وجوب انتخاب وسيلة للتقرّب إليه تعالى كفعل الطاعات وما شابه ذلك (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).
التكليف الثالث : الجهاد في سبيل الله (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ).
هذا هو الرأي السائد بين المفسرين في تفسيرهم للآية المباركة ، ولكننا نفهم من الآية معنى آخر مفاده : أن الأمر بالتقوى عبارة عن ترك المعاصي والإتيان بالواجبات المقرّرة في الشريعة المقدّسة.
والأمر بانتخاب وسيلة عبارة عن اتّخاذ قدوة إليه تعالى بواسطته يتم الوصول إلى المقصود والغاية المنشودة فالتقوى من دون الالتزام بالوسيلة لا معنى لها ، كما أن اتخاذ الوسيلة من دون الجهاد ـ سواء كان جهادا نفسيا أم خارجيا ـ يعتبر عملا ناقصا بحاجة إلى ما يكمّله ، فالعناصر الثلاثة : التقوى+ الوسيلة+ الجهاد تشكّل منعطفا عظيما نحو التكامل والارتقاء.
لذا نبحث هنا في أمرين باختصار :
الأول : ما هو مفهوم «الوسيلة» في اللغة العربية؟
الثاني : هل أن التوسل بالأنبياء والأولياء من مصاديق مفهوم الوسيلة أو لا؟
والجواب عن الأمرين :
فالوسيلة لغة هي : القربة والوصلة ، وهي فعيلة ، من وسل إليه إذا تقرّب إليه قال لبيد الشاعر :
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم |
|
ألا كل ذي لبّ إلى الله واسل |
أي متوسل ، فالوسيلة هي التي يتوسل بها إلى المقصود ، ومفهوم «الوسيلة» واسع له مصاديق متعددة ، فالوسيلة تشمل كل عمل أو شيء يؤدي إلى التقرّب إليه سبحانه لذا قال ابن منظور :