بعض من أن الاعتقاد بشفاعة الشفعاء يستلزم أن يكون الشفيع أشد رأفة بالعباد من الله سبحانه ، لأن المفروض ـ بحسب هذا التوهّم ـ أنه لو لا دعاء الشفيع لا ترفع العقوبة عن المجرم والعاصي.
فيعلم مما تقدّم أن الشفاعة لا تتحقق إلا بإذنه سبحانه للشفيع وارتضائه للمشفوع له فليس ذلك إلا لأجل أن المرضي هو اللائق دون غيره ، فلو حرم المشرك من شفاعة الأنبياء والأولياء ، أو حرم بعض العصاة منها فليس ذلك إلّا لعدم لياقتهم لهذا الفيض ، وليس من أجل نفاد الرحمة الإلهية التي لا يحدها شيء أبدا.
الشبهة الثالثة :
إن المراد من الشفاعة هو الإيمان والعمل ، ويعبّرون عنها ب «الشفاعة القيادية» التي أركانها الأنبياء والأولياء ، فالشفاعة ـ بحسب هذه النظرية ـ تابعة للاقتداء ، فمن عمل نال من الشفاعة بمقدار عمله ، ومن لم يعمل بما أمره الله تعالى فقد عطّل ما وهب له من بذر الشفاعة ولم يسقه ولم يربه ولم ينمّه بالعمل فيحرم ثمرته مع أنه ساوى جميع المسلمين في حصول البذر عنده ، وخالفهم في قعوده عن استثماره ، فعلى هذا تكون الشفاعة عبارة عن العمل بالواجبات وترك المحرّمات. ينسب هذا القول للطنطاوي في تفسيره الجواهر ج ١ / ٦٥.
والجواب :
أولا : إن تفسيره الشفاعة بالعمل خلاف الحديث المتواتر بين الفريقين عن النبي محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم : «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». والكبائر هي المحرّمات التي يرتكبها المشفوع له. فلو كانت الشفاعة هي نفس العمل بالواجبات لاستلزم صدور العبث من الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك لأن من عمل بالواجبات وترك المحرّمات على وجهها المقرّر ليس بحاجة إلى شفاعة بل قد يشفع لغيره ، لأن الشفاعة فرع وجود المعصية في المشفوع له ، فإذا ارتفعت المعصية ، ارتفع حينئذ وجه الحاجة إلى الشفاعة ، فهي تماما كتعلق الحكم بوجود موضوعه ، فإذا ارتفع الموضوع ارتفع الحكم.
ثانيا : لو كانت الشفاعة هي الإيمان والعمل ، فلما ذا وعد الله سبحانه في كتابه بأنه لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ