وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (النساء / ٤٩).
فلو كان المراد هو المغفرة على ضوء الإيمان والعمل لما صحّ استثناء الشرك في الآية ، وبذلك يعلم أن لله سبحانه مغفرة ورحمة خارجة عن إطار العمل ، وأن رحمته الواسعة كما تصل إليهم عن طريق العمل بالأحكام ، تصل إليهم عن طريق آخر أيضا وهو كون العبد قابلا للمغفرة والرحمة حافظا لعلاقاته مع الله ومع الشفعاء المرضيين وإن كان مقصّرا في عمله.
ثالثا : لو كانت الشفاعة نفس العمل ، فكيف صار دعاء المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب مؤثرا مع أن المدعو له لم يعمل ، ومع هذا فقد نال بغيته من جراء استجابة الله تعالى لدعاء المؤمن لأخيه ، كما يظهر من قوله تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (الحشر / ١١) وكذا دعاء الملائكة للمؤمنين كما في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (غافر / ٨).
فلو كانت الشفاعة هي نفس العمل ، فكيف يكون دعاء المؤمن لأخيه المؤمن ، ودعاء حملة العرش موجبا للمغفرة؟.
الشبهة الرابعة :
إن الاعتقاد بالشفاعة يتنافى مع الآيات الدالة على أن الجزاء رهن العمل والسعي ، قال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (النجم / ٤٠) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (يونس / ٥٣). فكيف نجمع بين هذه الآيات وبين آيات الشفاعة التي ليست لها واقعية كواقعية السعي والعمل ، بل كل ما في الأمر أن المشفوع له ينال المغفرة بدون سعي.
والجواب :
أولا : بما أن الله سبحانه هو الواجب المفيض لكل ما في الوجود من حياة أو موت أو رزق أو نعمة أو رحمة أو نقمة ، وهي أمور مختلفة لا ترتبط به سبحانه على السواء ، ولا لرابطة واحدة كيفما كانت ، فإن فيه بطلان الارتباط والسببية ، فهو تعالى لا يشفي مريضا من غير سبب موجب ، ومصلحة مقتضية ، ولا يشفيه لأن الله هو المميت المنتقم ، بل لأنه عزوجل الرءوف الرحيم المنعم