خلال ذلك أنّ خلقه تعالى لهذا العالم ليس عبثا بل هناك غايات وأهداف في أفعاله تعالى ، وليست هذه الغايات والأهداف هي الدنيا التي أمر الإنسان بالتكليف فيها مع العيش في قساوتها ومرارتها وتلقّي الصعاب والمهالك فيها ، فلا بدّ أن يعوّضه شيئا من النعم بدل تلك الصعاب التي عانى منها الإنسان في الدنيا ، وهذه النعم لا تكون إلّا في عالم آخر وحياة أخرى يستريح فيها الإنسان الذي عانى تلك الصعاب والكدورات في العالم الأول الذي هو أنبوب اختبار وتمحيص للعباد ، وحلبة سباق لتحصيل الكمالات النفسية والروحية ، والاكتساء بزي العبودية لله تعالى والفوز بكأس النجاة والسعادة الأوفى.
إلى دليل الحكمة وعدم العبثية في أفعاله تعالى يشير قوله عزوجل : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون / ١١٦).
وقوله عزّ شأنه : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٩) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (الدخان / ٣٩ ـ ٤١).
الدليل الثالث : العدالة :
مفاده : أن الله تعالى متّصف بالعدل ، ومعنى كونه عادلا يقتضي استحالة اتّصافه بالظلم ، لأنّ العدل هو إعطاء كل ذي حقّ حقه ، ومقتضى العدل أن ينتصف للمظلوم من الظالم ولا يسوّي بينهما ولا يقدّم الظالم على المظلوم لأنه خلاف العدل.
وبهذا يقال : لو لم يكن للإنسان معاد ، لزم التسوية بين الظالم والمظلوم ، ولزم إقدار الظالم على المظلوم ، ولزم الإخلال بالانتقام من الظالمين ، ولكنّه تعالى منزّه عن تلك الأمور ، فالمعاد ثابت للإنسان حتى يجزى كل إنسان بما يستحقه.
توضيح ذلك عبر ثلاثة أمور :
الأول : إنّ الله تعالى عادل لا يظلم شيئا لأنه كمال محض ومحض الكمال لا يكون ناقصا حتى يظلم ، والظلم معلول النقص ، إذ سببه إما الجهل أو حاجة الظالم أو شقاوته وخبث ذاته أو حسده ، وكل واحد نقص وهو منتف عنه تعالى.
الثاني : إنّ التسوية بين الظالم والمظلوم في الجزاء كتقديم الظالم على