المظلوم وإعداده وإعانته في كونه ظالما وقبيحا وهذا ينافي العدل الذي قلنا أنه إعطاء كل ذي حقّ حقّه ، والتسوية كالتقديم إبطال الحق وهو عين الظلم.
الثالث : لو لم يكن معاد لجزاء الإنسان لزم التسوية بين المجرمين والصالحين وتقديم الظالمين على المظلومين وإعداد الأشرار واقدارهم ، لأنّ أبناء البشر كانوا ويكونون على الصلاح والفساد وعلى الإصلاح والإفساد وعلى الهداية والضلالة ، وكثيرا ما تتغلّب الفئة الظالمة على المظلومة ، والأشرار على الصلحاء ، وعليه فإن اكتفى بهذه الدنيا ولا يكون وراءها الآخرة ، كان معناه هو عدم مجازاة الظالمين والمجرمين ، وعدم مكافأة الصالحين والمتقين ، بل معناه هو تقديم الطائفة الظالمة على الطائفة المظلومة لإعدادهم بأنواع النعم دون الطائفة المغلوبة.
إشكال :
قد يقال : إنّ هذه لدنيا تكفي لجزاء الصالحين والطالحين فمن عمل سيئا سلب منه النعم ، وابتلاه بالخزي والذلّة ، ومع جزاء كل فرقة بما يناسبهم ، لا يلزم التسوية بين المجرمين وغيرهم ، كما لا يلزم تقديم إحدى الطائفتين على الأخرى.
والجواب : إننا نرى بالوجدان عدم جزاء كثير من الظالمين والمفسدين والفاسقين ، بل هم يعيشون إلى آخر عمرهم في غاية العزة الدنيوية والقدرة ، بخلاف غيرهم فإنهم في غاية المهانة والصعوبة ، وهو أمر محسوس مشاهد ، هذا مضافا إلى أن أعمال المؤمنين والكافرين على درجات مختلفة وقد يكون بعضها مما لا يمكن جزاؤه في عالم الدنيا ، كمن يقتل ألف ألف نفس ببعض أنواع الصواريخ ، ومن المعلوم أنّ سلب نعمة الحياة أو إعدام هذا القاتل مرة واحدة لا يكون جزاء إفساده ، كما أن من يحيي النفوس الكثيرة بالمعالجة أو الهداية ، لا يمكن أن يكون جزاؤه هو نعمة الدنيا مع محدوديتها فضلا عن الأنبياء والأولياء الذين لا يمكن تقويم عملهم ، ولا يصلح مثل الدنيا الدنية لجزائهم لا سيما أنّ محمدا وآله قد فاق بعض دقائق عمرهم على جميع عمر الآخرين ، وقد اشتهر في جوامع الحديث أن ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ، على أن الجزاء على بعض الأعمال لا يمكن أن يتمّ في الدنيا بعد موت أصحابها لعدم توفّر الظرف الزمني لمجازاتهم بالخير أو الشرّ ، كما إذا جاهد المؤمنون الكافرين فمن استشهد من المؤمنين لا يمكن جزاؤه ، كما أن من هلك من الكافرين لا