وقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(٥) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٦)) (سبأ / ٥ ـ ٦).
فالآية الأولى واضحة الدلالة على أن مقتضى عدله سبحانه التفريق بين العباد بالثواب والعقاب ، بإثابة المطيعين وعقاب العاصين ، وأنه يستحيل عليه تعالى أن يعامل الجميع بالسوية.
والآية الثانية تشير إلى أنّ مسألتي الإثابة والمعاقبة لا تكونان في دار الدنيا وإنما في دار أخرى غيرها.
الدليل الرابع : الوفاء بالوعد والوعيد :
مفاده : أنه سبحانه وعد بالثواب وتوعّد بالعقاب وهو تعالى لا يخلف الوعد ، لأنّ الخلف ناشئ عن النقص وهو سبحانه لا نقص فيه ، أو ناشئ عن الاضطرار والضرورة وهو أيضا لا مورد له في حقه ، لأنه عزوجل لا يضطره ضرورة ؛ لذا قال العلامة الطباطبائي (قدسسره) :
(وخلف الوعد وإن لم يكن قبيحا بالذات لأنه ربما يحسن عند الاضطرار لكنه سبحانه لا يضطره ضرورة ، فلا يحسن منه خلف الوعد في حال) (١) ، وقد أرشد إليه تعالى بقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج / ٤٨).
وعليه فإنّ الله تعالى وعد بالثواب والعقاب الأخرويين ، وبالجنة والنار ، وكل ما وعده الله آت ولا يخلفه تعالى ، فالجنة والنار والثواب والعقاب الأخرويان حتميّان ولا خلف فيهما.
وقال المحقق اللاهيجي (قدسسره) :
(وليعلم أن إيصال الثواب والعقاب الجسمانيين يتوقف لا محالة على إعادة البدن ، حيث لا يمكن تحقق اللذة والألم الجسمانيين من دون وجود البدن ، ثم لا ينافي ثبوت اللذة والألم الجسمانيين مع ثبوت اللّذة والألم الروحانيين ، كما هو مذهب المحققين ، الذين قالوا بتجرّد النفس الناطقة فالحق هو ثبوت الثواب
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١٦ ص ١٦٣.