والعقاب الروحانيين والجسمانيين ؛ أما الروحاني فهو بناء على تجرّد النفس الناطقة وبقائها بعد مفارقتها عن البدن ، والتذاذها بالكمالات الحاصلة له من ناحية العلم والعمل وتألمه عن ضد الكمالات المذكورة ، وأما الجسماني فهو بناء على وجوب الإيفاء بالوعد والوعيد الموجبين لإيصال الثواب والعقاب الجسمانيين) (١).
وأمّا الأدلة النقلية :
لا ريب في حتمية المعاد ، لعدم استحالته عقلا لأنه ممكن وقوعا لأن المقتضي لوجوده موجود ، ولا مانع منه ، أما المقتضي فهو لتمامية شرط الفاعلية بسبب كونه موافقا للحكمة والعدالة ، وأما عدم المانع فلعدم وجود ما يمنع من تحققه ، بل أدل شيء على وقوعه هو وقوع مثل المعاد وهو الرجعة في الدنيا وقد أخبر القرآن الكريم عن كلا الرجعتين إلّا أن الفارق بينهما ، أن الرجعة هي عود الأرواح إلى أبدانها لفترة زمنية معينة مخصوصة ببعض الأفراد ، أما المعاد فهو مثلها لكنه شامل لكل الأفراد.
وقد ذكر القرآن ما يقارب الألف وأربعمائة آية عن المعاد ، وأغلب الآيات الدالّة على الاعتقاد بيوم الجزاء قرنت بالاعتقاد بالله تعالى ، وهذه الآيات تعرّضت لخصوصيات المعاد وتفصيلاته مع تأكيد الأخبار على ذلك ، وإليك بعض الآيات : منها : قوله تعالى : (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (الحج / ٨).
هنا أخبر سبحانه عن وقوع القيامة والمعاد الجسماني بالجزم والقطع.
ومنها : قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٩) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٨٠) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨١) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٢)) (يس / ٧٩ ـ ٨٢).
فالآية المباركة ترفع استبعاد المشركين وقوع المعاد الجسماني حيث قالوا : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (السجدة / ١١)
__________________
(١) بداية المعارف : ج ٢ ص ٢٨٢ نقلا عن سرمايه ايمان : ص ١٦٠. بتصرّف ببعض الألفاظ.