(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) (الصافات / ٥٤) وقوله تعالى : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (الصافات / ١٧) فأبطل سبحانه استبعادهم بقوله: (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) أي نسي أنّا خلقناه من تراب ومن نطفة متشابهة الأجزاء ، ثم جعلنا لهم من النواصي إلى الأقدام أعضاء مختلفة الصور والقوام وما اكتفينا بذلك حتى أودعناهم ما ليس من قبيل هذه الأجرام وهو النطق والعقل اللذان بهما استحقوا الإكرام ؛ فإن كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد فهلّا يستبعدون خلق الناطق العاقل من نطفة قذرة لم تكن محل الحياة أصلا ويستبعدون إعادة النطق والعقل إلى محل كانا فيه ثم إن استبعادهم كان من جهة ما في المعاد من التفتت والتفرّق حيث قالوا : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) اختاروا العظم للذكر لأنه بعد عن الحياة لعدم الإحساس فيه ووصفوه بما يقوي جانب الاستبعاد من البلى والتفتت والله دفع استبعادهم من جهة ما في المعيد من القدرة والعلم.
ومنها : قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (التغابن / ٨).
إلى غير ذلك من الآيات المتعلّقة بيوم النشور والحساب والجزاء.
فالاعتقاد بيوم الجزاء من أهم العوامل التي تجبر الإنسان على أن ينتهج الورع والتقوى ، وأن يتجنّب الأخلاق الرذيلة ، كما أن نسيانه أو عدم الاعتقاد به سوف يكون أساسا وأصلا لكل معصية أو ذنب ، يقول سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (ص / ٢٧).
النقطة الثالثة : مذاهب الفلاسفة في المعاد :
انقسم الفلاسفة إلى مذاهب بشأن المعاد ، فهل يعاد بروحه وجسده؟ أو بروحه وحسب؟
ففي المسألة ثلاثة آراء :
١ ـ أن تعاد الروح وحدها وهو مذهب جمهور الفلاسفة (١).
٢ ـ أن يعاد الجسد وحده وهو مذهب شذاذ من المسلمين (٢).
__________________
(١) الأسفار لصدر المتألهين : ج ٩ ص ١٦٥ م ٥.
(٢) نفس المصدر.