على سبيل التعاقب دون الاجتماع ، والأبدان مطلقا بل الأبدان الإنسانية خاصة غير متناهية ، لأنها من الحوادث المتعاقبة المستندة إلى ما لا يتناهى من الدورات الفلكية وأوضاعها ، فلو لم يتعلّق كل نفس إلّا ببدن واحد لزم توزّع ما يتناهى على ما لا يتناهى ، وهو محال بالضرورة.
الجواب :
أولا : لنا أن نمنع قدم النفوس بل هي محدثة زمانية ، فما سوى الله سبحانه هو ممكن والممكن محدث ، وقد تقدمت الأدلة على ذلك في بحث الصفات فلاحظ.
ثانيا : إننا نمنع أيضا عدم تناهي الأبدان لأنها ليست بفعل الأفلاك ، ومن ذا الذي قام بعملية الإحصاء وثبت له بالتتبع والاستقراء أن النفوس متناهية ، والأبدان غير متناهية؟!
هذه أهم أدلتهم فقد ذكرها التفتازاني في شرح المقاصد وصاحب البحار وغيرهما من العلماء عند الفريقين ، مع الرد عليها ، ولكن هناك : أدلة أخرى على بطلان نظرية التناسخ هي كما يلي :
الأول : إن النفس المتعلقة بهذا البدن لو كانت منتقلة إليه من بدن آخر لزم أن يتذكر شيئا من أحوال ذلك البدن ، لأن العلم والحفظ والتذكر من الصفات القائمة بجوهرها الذي لا يختلف باختلاف أحوال البدن مع أننا لا نعرف شيئا عما كان قبل وجودنا الحالي.
الثاني : إن النفس لو تعلّقت بعد مفارقة بدنها ببدن آخر لزم أن يكون عدد الوفيّات مساويا للمواليد لأنه لو زادت الوفيات بقيت النفوس بلا أبدان ، وإذا زادت المواليد بقيت الأبدان بلا نفوس وكلاهما باطل عند أهل التناسخ لأنه يستلزم تعطيل النفوس أو تعطيل الأبدان ، ولا تعطيل في الطبيعة والوجود عند أهل التناسخ ، هذا بالإضافة إلى أن المواليد لا تتساوى أبدا مع الوفيّات ، فأيام الحرب والطوفان تهلك أبدان كثير فتزداد الوفيّات ، وأيام السلم يزداد المواليد.
الثالث : إنّ النفس لا تتّصل بالبدن إلّا بعد حصول الاستعداد والصلاحية له وذلك بحصول المزاج الصالح ، وعند حصول الاستعداد في القابل ـ أي البدن ـ يجب حدوث النفس وإلّا لزم تخلّف المعلول عن علّته وهو باطل ، وبعد أن