حيث إن مرضيات الخالق المخفي عن الأنظار المتعالي مرتبته عن الأفهام ومبغوضاته مع دقّة نظره وكماله وعلوّ درجته خفيّة ، وطرق طاعاته ومعاصيه وشروط كلّ من ذلك ، وكثرة الصور وتجدد الوقائع وتواتر الشبهة ، لكثرتها وتشتتها وتفرقها ممّا لا يمكن الاقتناع فيها ببيان النبي في مدة قليلة من عمره وإلى هذه الرواية أشار الإمام الصادق عليهالسلام في رواية هشام بن الحكم أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبتّ الأنبياء والرسل؟ قال : إنّا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا ، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجّهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم.
فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم في خلقه ، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو أرض الله من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته.
جهة رفع الشبهة :
بواضح البيان ، فإنّ المذاهب مختلفة ، والأفهام متفاوتة ، والشبه متطرقة ويزداد مع ذلك حبّ الطريقة السالفة للآباء ، وفرحة كل حزب بما لديهم من الآراء والكلام الباقي من النبي مثلا في عصر لا يرتفع منه جميع ذلك بل قد يزداد.
وقد أشارت إلى هذه الجهة رواية صحيحة مروية في الكافي في كتاب الاضطرار إلى الحجة عن منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن الله أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله ، قال : صدقت ، قلت : إن من عرف أن له ربّا ، فقد ينبغي له أن يعرف أن لذلك الربّ رضا وسخطا ، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو برسول ، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل ، فإذا لقيهم عرف أنهم الحجّة ، وأنّ لهم الطاعة المفترضة ، وقلت للناس : أليس تزعمون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان هو الحجة من الله على خلقه؟