فلذلك نقول ـ وهو ممكن في حدّ ذاته ـ أن قوة الإلهام عند الإمام التي تسمى بالقوة القدسيّة تبلغ الكمال في أعلى درجاته فيكون في صفاء نفسه القدسيّة على استعداد لتلقي المعلومات في كل وقت وفي كل حالة ، فمتى توجّه إلى شيء من الأشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوة القدسية الإلهامية بلا توقف ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلم. وتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية ، لا غطش فيها ولا إبهام.
ويبدو واضحا هذا الأمر في تاريخ الأئمة عليهمالسلام كالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنهم لم يتربوا على أحد ، ولم يتعلموا على يد معلّم ، من مبدأ طفولتهم إلى سنّ الرشد. حتى القراءة والكتابة ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء ، مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى. وما سئلوا عن شيء إلّا أجابوا عليه في وقته ، ولم تمرّ على ألسنتهم كلمة «لا أدري» ولا تأجّل الجواب إلى المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك. في حين أنك لا تجد شخصا مترجما له من فقهاء الإسلام ورواته وعلمائه إلّا ذكرت في ترجمته : تربيته وتلمذته على غيره وأخذه الرواية أو العلم على المعروفين وتوقفه في بعض المسائل أو شكّه في كثير من المعلومات ، كعادة البشر في كل عصر ومصر.
* * *
بحث المصنّف (قدسسره) هنا في عدّة نقاط :
الأولى : أنّ الإمام عليهالسلام كالنبي في الصفات.
الثانية : كيفية تلقّي الإمام للعلوم.
الثالثة : مسألة الإلهام وقوّة الحدس.
أما النقطة الأولى :
فمما لا ريب فيه عند الإمامية أنّ الإمام ـ كالنبي ـ قائم مقامه في جميع شئونه إلّا تلقي الوحي التشريعي ، فهو شبيهه في كل الصفات الجمالية والكمالية ، إذ بدون اتصافه بصفات النبي لا يتم الاستخلاف والنيابة ، ومعه لا يتم اللطف وهو نقض للغرض ، ومخالف لمقتضى عنايته الأولى ورحيميته ، ونقض الغرض والمخالف لمقتضى عنايته تعالى لا يقع ولا يصدر منه أصلا.
توضيح ذلك : إن من أغراض البعثة هو استكمال النفوس ، فاللازم هو أن