لكونه ناظرا فيما يعرض لموضوعه من حيث هو (١) وهو العدد للحساب والمقدار للهندسة ، ولو كانا ينظران فيهما من جهة ما هو كم لكان موضوع كل منهما الكم أو كان (٢) العلمان علما واحدا ولو نظر كل منهما في موضوعه من حيث هو موجود لما تميز عن الفلسفة الأولى ، فإن قلت كما صرحوا (٣) بذلك الموضوع من المقدمات ، فقد صرحوا بكونه جزءا من العلم على حدة وبكونه من مباديه التصورية ، فما وجه ذلك؟ قلت :
أرادوا أن التصديق بهلية ذات الموضوع كالعدد في الحساب جزء منه (٤) بدليل تعليلهم ذلك بأن ما لا يعلم ثبوته كيف يطلب ثبوت شيء له؟ وتصوره من المبادي التصورية والتصديق بموضوعيته من المقدمات ، وأما تصور مفهوم الموضوع أعني ما يبحث فيه (٥) عن أعراضه الذاتية ففي صناعة البرهان من المنطق. فهذه أمور أربعة ربما يقع فيه (٦) الاشتباه ، وإنما لم يجعلوا التصديق بهلية الموضوع من المبادي التصديقية ، كما جعلوا تصوره من المبادي التصورية ، لأنهم أرادوا بها المقدمات التي منها تتألف قياسات العلم ، وإنما لم يجعل التصديق بالموضوعية من الأجزاء المادية (٧) لأنه إنما يتحقق بعد كمال العلم فهو بثمراته أشبه منه بأجزائه ، مثلا إذا قلنا العدد موضوع الحساب لأنه إنما ينظر في أعراضه الذاتية لم يتحقق ذلك إلا بعد الإحاطة بعلم الحساب ، فكان التصديق بالموضوعية إجمالا من سوابق العلم ، وتحقيقا من لواحقه ، وينبغي أن يعلم أن لزوم هذه الأمور إنما هو في الصناعات النظرية البرهانية ، وأما في غيرها فقد يظهر كما في الفقه والأصول. وقد لا يظهر إلا بتكلف كما في بعض الأدبيات ، إذ ربما تكون الصناعة عبارة عن عدة أوضاع واصطلاحات ، وتنبيهات
__________________
(١) سقط من (ب) كلمة (هو).
(٢) في (ب) وكان بدلا من (أو كان).
(٣) في (ب) كون الموضوع.
(٤) سقط من (ب) منه.
(٥) في (ب) ما يبحث في العلم.
(٦) في (ب) فيها.
(٧) سقط من (ب) المادية.