يقصد به تكثير المباحث ، كما اشتهر فيما بين المتأخرين من خلط كثير من مسائل الطبيعي والرياضي بالكلام.
فإن قيل : لا يجوز أن يكون للكلام مبادي تفتقر إلى البيان وتثبت بالبرهان ، لأن مبادي العلم إنما تتبين في علم منه. وليس في العلوم الشرعية ما هو أعلى من الكلام ، بل الكل جزئي بالنسبة إليه ، ومتوقف بالآخرة عليه ، فمبادؤه لا تكون إلا بينة بنفسها.
قلنا : ما يبين فيه مبادي العلم الشرعي لا يجب أن يكون علما أعلى ، ولا أن يكون علما شرعيا ، للإطباق على أن علم الأصول يستمد من العربية ويبين فيها بعض مباديه ، وتفصيل ذلك على ما هو المذكور في الشفاء وغيره ، أن مبادي العلم قد تكون بينة بنفسها فلا تبين في علم أصلا ، وقد تكون غير بينة فتبين في علم أعلى ، بجلالة (١) محله عن أن يبين في ذلك العلم ، كقولنا : الجسم مؤلف من الهيولي (٢) ، الصورة (٣) فإنه من مبادي الطبيعي ، ومن مسائل الفلسفة الأولى ، أو في علم أدنى لدنو شأنه عن أن يبين في ذلك العلم ، كامتناع الجزء الذي لا يتجزأ فإنه من مسائل الطبيعي ، ومن مبادي الإلهي لإثبات الهيولي والصورة فيجب أن يبين بمقدمات لا تتوقف صحتها عليها (٤) لئلا يلزم الدور.
__________________
(١) في (ب) لجلاله.
(٢) الهيولي : لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة. وفي الاصطلاح : هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال ، محل للصورتين الجسمية والنوعية ، (تعريفات الجرجاني) قال ابن سينا : الهيولي المطلقة. فهي جوهر ، ووجوده بالفعل إنما يحصل لقبول الصورة الجسمية لقوة فيه قابلة للصور ، وليس له في ذاته صورة تخصه إلا معنى القوة. ومعنى قولي لها : هي جوهر.
(٣) الفلاسفة يفرقون بين الصورة الجسمية ، والصورة النوعية بقولهم : إن الصورة الجسمية جوهر بسيط متصل ؛ لا وجود لمحله دونه قابل للأبعاد الثلاثة المدركة من الجسم في بادئ النظر أو هي الجوهر الممتد في الأبعاد كلها. المدرك في بادئ النظر بالحس على حين أن الصورة النوعية جوهر بسيط ، لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل فيه (تعريفات الجرجاني).
(٤) في (ب) عليه بدلا من (عليها).