ذهب الإمام الرازي (١) إلى أن تصور العلم بديهي لوجهين :
الأول أنه معلوم ، يمتنع اكتسابه أما المعلومية فبحكم الوجدان وأما امتناع الاكتساب فلأنه إنما يكون بغيره معلوما ضرورة امتناع اكتساب الشيء بنفسه أو بغيره مجهولا ، والغير إنما يعلم بالعلم ، فلو علم العلم بالغير لزم الدور ، فتعين طريق الضرورة وهو المطلوب.
الثاني : أن علم كل أحد بوجوده بديهي أي حاصل من غير نظر وكسب وهذا علم خاص مسبوق لمطلق العلم لتركبه منه ومن الخصوصية ، والسابق على البديهي بديهي ، بل أولى بالبداهة ، فمطلق العلم بديهي وهو المطلوب.
وأجيب عن الوجهين : بأن مبناهما على عدم التفرقة بين تصور العلم وحصوله.
أما الأول : فلأن تصور العلم على تقدير اكتسابه يتوقف على تصور غيره ، وتصور الغير لا يتوقف على تصوره ليلزم الدور (٢) ، بل على حصوله بناء على امتناع حصول المقيد بدون المطلق ، حتى لو لم يقل بوجود الكلي فى ضمن الجزئيات لم يتوقف على حصوله أيضا ، وعبارة المواقف : إن الّذي نحاول أن نعلمه بغير العلم تصور حقيقة العلم ، وقد تسامح حيث حاول العلم بتصور الحقيقة ، والأحسن ما في شرح المختصر : أن الذي يراد حصوله بالغير إنما هو (٣) تصور حقيقة العلم ، إلا أنه تسامح فيه أيضا حيث قال :
__________________
(١) هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين فخر الدين الرازي الإمام المفسر أوحد زمانه في المعقول والمنقول ، وعلوم الأوائل مولده في الري وإليها نسبته رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان. وتوفي في هراة سنة ٦٠٦ ه. من تصانيفه : مفاتيح الغيب ، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ، ومعالم أصول الدين وغير ذلك.
(راجع طبقات الأطباء ٢ : ٢٣).
(٢) الدور في اللغة : عودة الشيء إلى ما كان عليه ، والدور في المنطق علاقة بين حدين يمكن تعريف كل منهما بالآخر ، أو علاقة بين قضيتين يمكن استنتاج كل منهما من الأخرى ، أو علاقة بين شرطين يتوقف ثبوت أحدهما على ثبوت الآخر. فالدور إذن هو توقف كل واحد من الشيئين على الآخر ، والدور الفاسد عند المناطقة هو الخطأ الناشئ عن تعريف الشيء أو البرهنة عليه بشيء آخر لا يمكن تعريفه.
(٣) سقط من (أ) كلمة (إنما هو).