إن توقف تصور غير العلم إنما هو على حصول العلم به ، أعني علما جزئيا متعلقا بذلك الغير ، إذ لا معنى لتوقف الشيء على حصوله.
وأما الثاني : فلأن البديهي لكل أحد ليس هو تصور العلم بأنه موجود بل حصول العلم بذلك ، وهو لا يستدعي تصور العلم به فضلا عن بداهته ، كما أن كل أحد يعلم أن له نفسا ولا يعلم حقيقتها.
فإن قيل : لا معنى للعلم إلا وصول النفس إلى المعنى وحصوله فيها ، والعلم من المعاني النفسية ، فحصوله في النفس علم به وتصور له ، فإذا كان حصول العلم لوجوده بديهيا. كان تصور العلم به بديهيا ، ويلزم منه أن يكون تصور مطلق العلم بديهيا وهو المطلوب ، وكذا إذا كان تصور الغير الذي يكتسب به تصور العلم متوقفا على حصول مطلق العلم كان متوقفا على تصوره هو الدور.
قلنا : قد سبق أن حصول المعاني النفسية في النفس ، قد تكون بأعيانها وهو المراد بالوجود (١) المتأصل ، وذلك اتصاف بها لا تصور لها ، وقد يكون تصورها وهو المراد بالوجود الغير المتأصل بمنزلة الظل للشجر ، وذلك تصور لها لا اتصاف بها ، ألا ترى أن الكافر يتصف بالكفر بحصول الإنكار في نفسه ، وإن لم يتصوره ، وهو يتصور (٢) الإيمان بحصول مفهومه في نفسه من غير اتصاف به ، فحصول عين العلم بالشيء في النفس لا يكون تصورا لذلك العلم ، كما أن حصول مفهوم العلم بالشيء في النفس لا يكون اتصافا بالعلم به بل ربما يستلزمه ، نعم يكون ذلك اتصافا بالعلم بمفهوم العلم بناء على أن المفهوم حاصل بعينه.
فإن قيل : في تقرير الإمام ما يدفع الجواب المذكور لأنه قرر :
الأول : بأن اكتساب العلم يتوقف على حصول العلم بالغير ، وهو يستلزم
__________________
(١) في (أ) والمتأصل بزيادة (الواو).
(٢) سقط من (ب) هو.