المبحث الثاني
تقسيم العلم إلى تصديق وتصور
(المبحث الثاني : العلم إن كان حكما أي إذعانا (١) وقبولا للنسبة فتصديق وإلا فتصور (٢) واختلافهما بالحقيقة لا بمجرد الإضافة).
أقول : قد اشتهر تقسيم العلم إلى التصور (٣) والتصديق (٤). واستبعده بعضهم لما بينهما من اللزوم إذ لا تصديق بدون التصور ، بل ذكروا أنه لا تصور بحسب الحقيقة بدون التصديق بالتحقيق وإنما الكلام في التصور بحسب الاسم فعدلوا إلى التقسيم إلى التصور الساذج ، أي المشروط بعدم الحكم وإلى التصديق.
__________________
(١) إذعانا : بمعنى أن النفس أدركت أن النسبة واقعة في نفس الأمر أو ليست بواقعة ، وتقرر ذلك عندها بأن لم تنفه جهلا وهو معنى الإذعان والقبول.
(٢) وإذا لم يتعلق العلم بالنسبة الإيقاعية والانتزاعية بل تعلق بأحد طرفي النسبة أو بها لا على أنها واقعة أو ليست بواقعة في نفس الأمر بل على وجه اداركها مع احتمال الوقوع وعدمه فتصور.
(٣) التصور : تصور الشيء تخيله ، وتصور له الشيء ، صارت له عنده صورة ، وعند علماء النفس ، هو حصول صورة الشيء في العقل. وعند المناطقة ، هو إدراك الماهية من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات. والفلاسفة يفرقون بين التصور القبلي والتصور البعدي فيقولون : إن التصور القبلي أو التصور المحض هو التصور المتقدم على التجربة كتصور الوحدة والكثرة وغيرهما ، أما التصورات البعدية ، فهي المعاني المستمدة من التجربة ، كتصور معنى الإنسان أو معنى الحيوان.
(٤) التصديق إما مركب أو بسيط. فإن قلت : إن التصديق هو علم إدراك الماهية مع الحكم عليها بالنفي أو الإثبات ، كان التصديق مركبا مثال ذلك : أن تصديقك بأن العالم حادث مؤلف من تصور العالم ، وتصور الحدوث ، ومن إدراك وقوع النسبة بينهما.
وإذا قلت : إن التصديق هو مجرد إدراك النسبة كان التصديق بسيطا. وهو على كل حال فعل عقلي يستلزم نسبة الصدق إلى القائل ، وضده الإنكار والتكذيب.