وحاصله أن متعلق التصديق يجوز أن يتعلق به قبل التصديق علم هو التصور بخلاف متعلق التصور.
وأجيب بأن تختار أنه معلوم من وجه ، ولا نسلم امتناع التوجه حينئذ إلى وجهه المجهول ، وإنما يمتنع لو لم يكن الوجه المعلوم من وجوهه واعتباراته بحيث يخرجه عن كونه مجهولا مطلقا ، وذلك كما إذا علمنا أن لنا شيئا به الحياة والإدراكات ، فتطلبه بحقيقته أو بعوارضه المميزة له عن (١) جميع ما عداه ، على ما هو المستفاد من الحد أو الرسم. فالمجهول المطلوب لا ينحصر في الحقيقة ولا في العارض ، وما ذكر في المواقف من أن المجهول هو الذات والمعلوم بعض الاعتبارات تحقيق لما هو الأهم ، أعني إمكان اكتساب التصور بحسب الحقيقة وتنبيه على أن مجهولية الذات لازمة فيما يطلب تصوره حتى لو على الشيء بحقيقته ، وقصد اكتساب بعض العوارض له كان ذلك (٢) بالدليل لا التعريف ، ولو قصد اكتساب العارض نفسه كان هو مجهولا بحقيقته ، وما ذكر في تلخيص المحصل (٣) من أن كلا من الوجه المجهول والمعلوم حاصل لأمر ثالث هو المطلوب ؛ إلزام للإمام بما اعترف به من أن المعلوم إجمالا :
(معلوم من وجه. مجهول من وجه) (٤) :
والوجهان متغايران أحدهما ، معلوم لا إجمال فيه ، والآخر ليس بمعلوم البتة ، لكن لما اجتمعا في شيء ظن أن هناك علما إجماليا. وإلا فقد ذكر هو (٥) في نقد تنزيل الأفكار (٦) : أن المطلوب المجهول هو حقيقة الماهية
__________________
(١) سقط من (أ) كلمة (كله).
(٢) في (ب) بدلا من (كان).
(٣) هذا الكتاب لنصير الدين الطوسي ، وسماه تلخيص المحصل. أوله الحمد لله الذي يدل افتقار كل موجود في الوجود إليه .. إلخ.
(٤) سقط من (ب) كلمة (مجهول من وجه).
(٥) سقط من (ب) كلمة (هو).
(٦) هذا الكتاب يسمى «تنزيل الأفكار في تعديل الأسرار» للفاضل العلامة أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري المتوفى (لا يعرف تاريخ وفاته) قصد فيه تحرير ما أدى أفكاره إليه واستقر عليه رأيه من القوانين المنطقية والحكمية ذاكرا فيه فساد بعض الأصول المشهورة ، وعليه شرح لبعض الأفاضل أثبت فيه ما سنح له من الرد والقبول وأورد على بعض مآخذه في تلك الأصول سيما المنطقية وسماه (تعديل المعيار في تنزيل الأفكار) فرغ منه في أوائل المحرم سنة ٦٦٤ ه.
(راجع كشف الظنون ج ١ ص ٤٨٤).