مطلوب تصوري أو تصديقي ولا محالة ، يكون مشعورا به من وجه تحركت النفس منه (١) في الصور المخزونة عندها ، منتقلا من صورة إلى صورة إلى أن يظفر بمبادئه من الذاتيات والعرضيات والحدود الوسطى ، فيستحضرها متعينة متميزة ، ثم يتحرك فيها لترتيبها ترتيبا خاصا يؤدي إلى تصور المطلوب بحقيقته ، أو بوجه يمتاز به (٢) عما عداه ، أو إلى التصديق به يقينا (٣) أو غير يقين ، فههنا حركتان يحصل بأولاهما : المادة (٤) ، وبالثانية : الصورة والمبادي من حيث الوصول إليها منتهى الحركة الأولى ، ومن حيث الرجوع عنها مبدأ الحركة (٥) الثانية ، ومن حيث التصرف فيها لترتب الترتيب ، المخصوص مادة الثانية ، وحقيقة النظر مجموع الحركتين ، وهما من جنس الحركة في الكيف بتوارد الصور والكيفيات على النفس ، ولا محالة يكون هناك توجه نحو المطلوب ، وإزالة لما يمنعه من الغفلة والصور المضادة والمنافية ، وملاحظة للمعقولات ليؤخذ البعض ويحذف البعض ، وترتيب للمأخوذ وغاية يقصد حصولها ، وكثيرا ما يقتصر في تفسير النظر على بعض أجزائه ، أو لوازمه ، اكتفاء بما يفيد امتيازه أو اصطلاحا على ذلك ، فيقال : هو
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (منه).
(٢) سقط من (أ) لفظ (به).
(٣) في (ب) تعينا أو غير تعيين.
(٤) المادة : في اللغة كل شيء يكون مادا لغيره. ومادة الشيء أصوله وعناصره التي يتركب منها ، حسية كانت أو معنوية ، كمادة البناء ومادة البحث .. إلخ. وللمادة في اصطلاح الفلاسفة عدة معان :
١ ـ المادة : هي الجسم الطبيعي الذي تتناوله على حاله أو تحوله إلى شيء آخر لغاية معينة ، مثل المرمر الذي يصنع منه التمثال فهو مادته ، أما صورة التمثال. فهي الشكل الذي يسوى به المرمر.
٢ ـ المادة في الاصطلاح الأرسطي أو المدرسي : هي المعنى المقابل للصورة. ولها بهذا الاعتبار وجهان : الأول : دلالتها على العناصر غير المعينة التي يمكن أن يتألف منها الشيء وتسمى مادة أولى ، أو هيولى وهي كما قيل إمكان محض أو قوة مطلقة لا تنتقل إلى الفعل إلا بقيام الصورة فيها. قال ابن سينا : الهيولي المطلقة جوهر ووجوده بالفعل إنما يحصل لقبول الصورة الجسمية لقوة فيه قابلة للصور ليس له في ذاته صورة تخصه إلا معنى القوة.
(راجع رسالة الحدود ص ٨٣ : ٨٤).
(٥) سقط من (ب) لفظ (الحركة).