قال : إن التكليف لم يقع بالمنظور فيه ليصح (١) بل بالنظر وهو مقدور ، وإلا فلا خفاء في وقوع التكليف بمعرفة الصانع ووحدانيته ونحو ذلك ، وبالجملة ، فالعلم النظري مقدور التحصيل والترك ، بخلاف الضروري ولزومه بعد تمام النظر لا ينافي ذلك. ومن هاهنا أمكن في القضية النظرية اعتقاد النقيض بخلاف القضية البديهية (٢).
الرابع : إن أقرب الأشياء إلى الإنسان اتصالا ومناسبة هويته (٣) التي يشير إليها بقوله: أنا. وقد كثر فيها الخلاف ، ولم يحصل من النظر الجزم بأنها هذا الهيكل المحسوس (٤) أو أجزاء لطيفة ساريه فيه ، أو جزء لا يتجزأ في القلب ، أو جوهر مجرد متعلق به (٥) أو غير ذلك (٦) فكيف فيما هو ابعد كالسماوات والعناصر وعجائب المركبات ، وأبعد كالمجردات والإلهيات ومباحث الذات والصفات؟
وأجيب : بأن ذلك إنما يدل على صعوبة تحصيل هذه العلوم بالنظر لا على امتناعه والمتنازع هو الامتناع لا الصعوبة.
الخامس : لو أفاد النظر العلم أي التصديق في الإلهيات لكان شرطه هو التصور متحققا لكنه منتف ، إما بالضرورة فظاهر. وإما بالكسب فلأن الحد ممتنع لامتناع التركيب ، والرسم لا يفيد تصور الحقيقة. وأجيب بأن الرسم قد يفيد تصور الحقيقة وإن لم يستلزمه ، ولو سلم فيكفي التصور بوجه ما.
السادس : أن العلم بوجود الواجب هو الأساس في الإلهيات ، ولا يمكن اكتسابه بالنظر ، لأنه يستدعي دليلا يفيد أمرا ويدل عليه ، وذلك إما نفس ثبوت
__________________
(١) في ب بالمنظور فيه ليقبح.
(٢) سقط من (ب) القضية.
(٣) للهوية عند القدماء عدة معان وهي التشخص. والشخص نفسه والوجود الخارجي قالوا : ما به الشيء هو هو باعتبار تحققه يسمى حقيقة وذاتا وباعتبار تشخصه يسمى هوية وإذا أخذ أعم من هذا الاعتبار يسمى ماهية ، وقد يسمى ما به الشيء هو هو ماهية إذا كان كليا كماهية الإنسان وهوية إذا كان جزئيا كحقيقة زيد.
(٤) في (ب) هذا الهيكل المخصوص.
(٥) في (ب) مجرد يتعلق به.
(٦) سقط من (ب) ذلك.